ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض
ملاحظات تهم كتاب: “القرآن والنساء .. قراءة للتحرر” لأسماء لمرابط
بقلم: د.محمد بولوز
بعد البلاء الحسن الذي يسره الله على يد ثلة من العلماء الأفذاذ منذ فجر النهضة الحديثة، في مقارعة التحديات الواقعية وشبهات الفكر الوافد على ديار المسلمين، انكمش إلى حد كبير التيار المهاجم للأصول والثوابت والمنطلق من أرضية الآخر المختلف عنا في الاعتقاد والتصور، وخنس صوت الرفض للإسلام والتبشير بالانغماس في حضارة الغرب بحلوها ومرها خيرها وشرها، وانبعث تيار يسميه البعض ب”الطريق الثالث” يسلم بالإطار العام للدين وبمرجعية الإسلام، ولا يخفي حمله لمشروع “حداثي” يريد البحث له عن موطئ قدم في بنية المذهبية الإسلامية ويعمل جاهدا لتأصيله واستنباته في التربة المحلية.
ورغم أن الظاهر يوحي بالتقدم على مستوى المكاسب في التدافع الحضاري لصالح المذهبية الإسلامية، حيث انتقلت المعركة والجدال والنقاش داخل أسوار منظومتنا الفكرية والمذهبية، فإنه لا تجوز الغفلة عن مكامن خطورة هذا الوضع الجديد القديم، من جهة الانسياب السلس والمتدرج لعدد من الأفكار المناقضة للأصول، والتي قد تأتي على البنيان من أساسه.وتجارب الأمة أثبتت قدرتها على الانتصار أكثر في المعارك الواضحة الجلية، بينما المعارك الملتبسة – والتي قد يلبس أصحابها لباس الدين والتقوى وظاهر الغيرة على مشروع الأمة- تخلف جراحات عميقة وتستغرق مددا طويلة لمعالجة أدوائها.
وقد انتابني شيء من هذا الشعور وأنا أتصفح كتاب “القرآن والنساء..قراءة للتحرر” لصاحبته أسماء المرابط، ورأيت فيه بوضوح منهج “اعتقد ثم استدل” فالمرأة متشبعة حتى النخاع ب “النزعة النسوانية” وتريد بإخلاص تأصيلها وتبيئتها في البيئة الإسلامية، راسمة لنفسها خطا ثالثا، لا هو بالتيار النسواني العلماني ولا هو بالتيار الإسلامي التقليدي العام بحسب وصفها، إنها بحق تريد الإسلام ولكنه “الإسلام بالمؤنث” كما جاء في بعض عناوين كتبها.
ويخيفني هذا الحماس في الاعتقاد والشراسة في النضال لما يمكن أن يصل بأصحابه من شطط وتعصب شديد وطغيان يلغي أي اتزان في الرؤية، ويحضرني ما وصل إليه حال بعض المتعصبين للجنس الأسود في أمريكا حتى إنهم يتصورون ربهم على هيئة رجل أسود، ويعتقدون أن الجنس الأبيض من أصول شيطانية.وهي ردود فعل قوية من أثر الاضطهاد والتمييز الذي عانوا منه طويلا.
فلاحظت من خلال الكتاب الغني بحق بفوائد جمة وبنماذج نسائية قرآنية رائدة وبحماس كبير للدفاع عن بنات حواء، أن السيدة أسماء المرابط لا تتقبل مثلا أن يكون أول مخلوق خلقه الله من البشر ذكرا، وحسب تعبيرها، ص 32: “لا يوجد في القرآن الكريم أي كلام واضح الدلالة على أن آدم الذي هو أصل المخلوقات البشرية كان ذكرا،كما لا يوجد أي دليل في القرآن على أن حواء خلقت من إحدى ضلوع آدم”
وما أدري ما العمل مع قوله تعالى: “إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ” وقول تعالى: “وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ” “فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى“.
فالآية الأولى فيها ضمير الغائب المذكر والآية الثانية ضمير المخاطب المذكر ونفس الشيء في الآية الثالثة وغيرها من الآيات الكثيرة.
وبخصوص ما نفته الكاتبة من خلق حواء من ضلع آدم في القرآن الكريم، نجد ما يلمح في عمومه لذلك ويتكامل مع السنة في التفصيل والبيان، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء“.
والآية الأخرى بينت بوضوح هوية “زوجها” من خلال قوله تعالى “ليسكن إليها” ولم تقل لتسكن إليه.
قال تعالى: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا”
وقال تعالى: “وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)”.
أي أنه سبحانه ابتدأ خلقنا من آدم عليه السلام; إذ خلقه من طين، ثم كنا سلالة ونسلا منه، فجعل لنا مستقَرًا نستقر فيه، وهو أرحام النساء، ومُستودعًا نحفظ فيه، وهو أصلاب الرجال، قد بين الله الحجج وميز الأدلة، وأحكمها لقوم يفهمون مواقع الحجج ومواضع العبر.
والسنة زادت في تفصيل ذلك وبيان كيف خلقت حواء من آدم، وبأنها خلقت من ضلع، ووردت الأحاديث في صحيح البخاري ومسلم وفي مسند أحمد وسنن الدارمي، فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً.”
والحديث وإن لم يكن واردا في الأصل في مسألة الخلق، ولكن جاء فيه إخبار عن الغيب يستوجب منا اتخاذ موقف معين لن يكون بالنسبة للمومنين غير التصديق به، وأما كون الخبر لم يكن مقصودا للسياق، فلا ينقص أبدا من قيمة الخبر، لأن من مميزات كلام النبوة أنه في كثير من الأحيان يضيف فوائد في الجواب عن تساؤلات السائلين، مثل الحال عندما سئل عن الوضوء من ماء البحر فأجاب”هو الطهور ماؤه، الحل ميتته” والشق الثاني من الجواب لم يسأل عنه، ولكن كان موضع اعتبار واستنباط الأحكام من طرف الفقهاء.
وقول الكاتبة – وقد ساقت مضمون الحديث في صلب الكتاب وأحالت على مختلف الروايات في الهامش-: “لا يوجد أي دليل في القرآن على أن حواء خلقت من إحدى ضلوع آدم”.
يثير جملة من التساؤلات،تهم مصدر المعرفة عندنا نحن المسلمين، فهل يكتفى بالقرآن وحده في معرفة موقف معين للدين أو قضية من القضايا؟ وما موقفنا من الأحاديث الصحيحة الواردة في الموضوع؟ ولماذا نلجأ إلى الأحاديث في مواطن أخرى نريد بها دعم مواقفنا وإن كانت أقل درجة من هذه التي أعرضنا عنها؟
والحديث وإن لم يرد فيه ذكر آدم كما تقول الكاتبة، فهو يفهم من خلال السياق، وجمع الأحاديث مع الآيات الواردة في الموضوع، ولفظ “خلقت” لا يتحدث بالتأكيد عن الوضع العادي للتناسل والتوالد بعد آدم وحواء، فلم تبق غير لحظة الخلق الأولى.
وكون ما جاء في الحديث يشبه أو يتطابق مع ما جاء في الكتب السماوية الأخرى، لا يقدح أبدا في قيمة الحديث وإنما يبين أن ذلك وغيره مما يشبهه من بقية الحق في تلك الكتب بعد ما طالها التحريف، فما جاء في كتب أهل الكتاب من الأخبار ينافي الكتاب والسنة حكمنا ببطلانه وبأنه من التحريف الذي وقع فيها، وما جاء فيها مطابقا لهما حكمنا بأنه بقية الحق فيها،وما جاء فيها غير مخالف لهما وسكت عنه شرعنا،أعملنا فيه قاعدة: “لا تكذبوهم ولا تصدقوهم”؛ لاحتمال أن يكون حقا.
وكل هذا من مقتضيات قوله تعالى: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ”
وقوله تعالى: “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى“.
فلا يبقى مجال للهمز واللمز والكلام الذي يخفي التشكيك بل يكاد يصرح به، مثل قول الكاتبة ص35:”إن التشابه بين هذه الأحاديث وبين ما ذكر عن تاريخ آدم وحواء في تقاليد الإنجيل، هي التي جعلت بعض العلماء يحاولون الربط بين هذين الروايتين (الإسلامية\المسيحية) وبالتالي الذهاب إلى القول إن حواء خلقت من ضلع من ضلوع آدم”.
وأما عن الهروب إلى الاستعارة والمجاز، فلا يلجأ إليه إلا إذا تعذر الأخذ بالظاهر وكان فيه مناقضة للأصول، والحال أن الظاهر هنا هو المنسجم مع نصوص القرآن التي تتحدث عن خلق آدم وحواء.
والتعسف يبدو واضحا في إخراج النص عن ظاهره؛ حيث ندخل في متاهات ماهية النفس التي كانت مصدرا لهما وهل هي ذكر أم أنثى، أو الأخذ بالرواية الشيعية غير المعتبرة عند أهل السنة والتي فيها أن حواء خلقت مما فضل من الطين الذي خلق منه آدم، ونترك ما صح عندنا، وقد نلجأ إلى مثله أو أقل منه في مواطن أخرى فتتلاعب بنا الرغبات والأهواء.
وما أدري ما الذي دفع بالكاتبة إلى هذه المضايق، وكأنها ترى بالضرورة أن التسليم بهذه الرؤية يتضمن دونية وتحقيرا للمرأة، والحال أن النماذج المؤمنة التي ساقتها في كتابها وأشادت بريادتها وذكائها قبل الإسلام وبعده، كانت تؤطرها نفس الرؤية ولم تر فيها ما توهمته الكاتبة، وأما استغلال بعض جهال المسلمين لهذا الأمر للتحقير والتنقيص، ففضلا عن مخالفته لهدي نبينا عليه الصلاة والسلام، فإنه لا ينهض حجة لتغيير الحقائق والتنكر لها، وإلا كم من المبادئ الجميلة والأشياء النبيلة استثمرت في الشر، ولم يدع أحد لنبذها بسبب ذلك.
ثم إن التعصب “للنزعة النسوانية” والاجتهاد لتأصيل ذلك في التربة الإسلامية، والسير بعيدا نحو المساواة الحرفية والآلية أو ربما حتى السقوط في نزعة تفضيل وترجيح جنس الإناث على جنس الذكور، يوقع في إشكالات لا حد لها، وسينتهي حتما بأصحابه إلى التضحية بدينهم في سبيل مجاراة أهواء لا قاع لها.
وظهر العناء كبيرا من الكاتبة وهي تعالج إشكالات التعدد والشهادة والطلاق ومسألة الضرب وغيرها، وسكتت عن أمور أخرى لا تقل صعوبة عن القضايا السابقة إذا جئنا إليها بقاعدة “اعتقد ثم استدل”.
فماذا تفعل مثلا بقول الله تعالى: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ“؟
وقوله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى”
فيفهم من الآية أنه ليس للنساء حظ في العدد الكبير من الرسل الذين عرفتهم البشرية.
وماذا تفعل بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام“.
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كلكم راع فمسئول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته“.
بما يفيد تراتبية واضحة لا ينكرها إلا جاحد.وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وصححه الألباني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها“.
وبخصوص الهجر في الفراش نجد أنه مباح للرجل تأديبا لزوجته بينما يحرم عليها مثل ذلك، جاء في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح“.
وغير ذلك من النصوص الكثيرة التي تصعب معها المساواة كما يتصورها ذوو “النزعة النسوانية.”
والحال أننا بحاجة إلى مقاربة مختلفة نحقق بها مقصد الكرامة والعدل واسترداد ما ضاع من الحقوق من غير انتقائية أو تضحية بشيء من شرع الله في الاعتقاد أو الممارسة والسلوك، فنعتمد مقاربة الأسرة عوض الفرد والنوع، ونستحضر مقصد التكامل عوض الصراع بين الذكر والأنثى، ومقاربة التنافس في الخير والتقوى والصلاح عوض الضرب على وتر الجنس، والتأكيد على أن الغرم بالغنم وأن التكليف على قدر الوسع وأن الله عز وجل طلب من الناس بقدر ما أعطاهم، وأنه سبحانه يخلق ما يشاء ويختار فالأيام كما نراها بنظرنا البسيط متساوية والله اختار منها الجمعة ويوم عرفة، واختار من الليالي ليلة القدر واختار من الشهور رمضان واختار من الناس الأنبياء والرسل واختار أن يخلق آدم أولا وبعده حواء واختار أن تكون القوامة في الرجال، وقد نرغب في شيء ونحرص عليه ويريد الله غيره وهو أعلم وأحكم، ألم يقل لنا: “وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” (216) البقرة.
وحثنا على الرضا بما يملكه ولا نملكه، وأن لا نتمنى ما فضل الله به بعضنا على بعض، وأن نسأله سبحانه جميعا من فضله قال تعالى: “وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)” النساء.
ويبقى في الأخير الإشارة إلى أن “الكتاب” جدير بالقراءة، وصاحبته جديرة بالتشجيع لما تملكه من صدق وإيمان ولما يتحلى بها قلمها من تميز وجرأة في طرح الأفكار، والظن بها التواضع لقبول الملاحظات وتلطيف الحماس “للنزعة النسوانية” والسير بها نحو التوسط والاعتدال، وتدارك بعض الهنات في الطبعات المقبلة للكتاب، من مثل اعتبار إسحاق عليه السلام أبا ليوسف عليه السلام عوض يعقوب عليه السلام، والقول بأن “سارة وهاجر،المصدر الأول للتوحيد” والقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم استنكر واستهجن تعدد الزوجات عندما رفض زواج علي من بنت أبي جهل، والحال أن الحديث معلل برفض اجتماع بنت عدو الله ببنت نبي الله، ولا علاقة له برفض التعدد، فهلا أوردت الكاتبة بقية الحديث الذي فيه: “وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا“.
فالسلامة كل السلامة في أخذ ما جاء في القرآن كله وما جاء في السنة الصحيحة كلها، من غير قفز أو انتقاء، أو تمييز بين الجوانب الروحية والجوانب التشريعية، فدين الله رحمة كله بعقيدته وعباداته ومعاملاته وأخلاقه وحدوده وعقوباته أدرك حكمة ذلك من أدركها وجهلها من جهلها، وذلك من مقتضيات قوله تعالى: “قُلْ آنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ“.
وإلا سقطنا فيما حذر منه تعالى عباده بقوله في سورة النور: “وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)“.