محمد الإنســـــان الكامــــل
بقلم: ربيعة التبر
من أعظم نعم الله علينا أن تخير لنا الدين الكامل، والنبي الكامل: محمد صـــلى الله عليه وسلم.
لا أحد يستطيع الإحاطة بأوج الكمال المتجسد في شخص نبينا محمد صـــلى الله عليه وسلم، ولذلك نعرض فقط أوجها من هذا الكمال المحمدي:
أوجه من الكمال في النسب المحمدي:
تخير الله سبحانه وتعالى النسب الشريف من سلالة آباء كرام، فنبينا هو محمد بن عبد الله
بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ويصل نسبه إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام.
يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه سيدنا علي كرم الله وجهه:”إن سيدنا اصطفى من ولد إبراهيم: إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل: بني كنانة، واصطفى من كنانة : قريشا، واصطفى من قريش : بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم”.
أما عبد الله والد نبينا محمد صـــــلى الله عليه وسلم، فقد كان من أشرف بيوت مكة وأكرمها، وكان شعاره الشرفي “أما الحرام فالممات دونه“.
وأما عبد المطلب جد نبينا عليه الصلاة والسلام، فقد كان من حكماء العرب وأشراف قريش فهو الذي تولى إطعام وسقاية الحجيج إلى أن مات، كما أنه هو الذي حاز شرف حفر بئر زمزم.
أما هاشم بن عبد مناف، واسمه عمرو، فهو صاحب إيلاف قريش، كان أول من سن الرحلتين لقريش : رحلة الشتاء إلى اليمن والحبشة، ورحلة الصيف إلى الشام وغزة. كما أنه عندما أصابت قريشا سنوات عجاف، خرج إلى الشام فأمر بخبز كثير يصنع له، ثم حمله على الإبل إلى مكة المكرمة، فهشم ذلك الخبز ونحر تلك الإبل وأطعم أهل مكة فسمي بذلك هاشما.
تخير الله سبحانه وتعالى هذا النسب الشريف من أرحام طاهرة لم يكن فيها سفاح من لدن آدم إلى والديه .
يقول صـــلى الله عليه وسلم فيما رواه سيدنا علي كرم الله وجهه : “خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي ولم يصبني من سفاح أهل الجاهلية شيء“.
ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه أنس رضي الله عنه: “أنا أنفسكم نسبا وصهرا وحسبا، ليس في آبائي من لدن آدم سفاح“.
وحصر سبحانه وتعالى هذا النسب الشريف فيه وحده صــــلى الله عليه وسلم، لم يشاركه فيه أخ ولا أخت ليكون للنبوة الخاتمة.
حفظ الإلــه كرامة لمحـــــمد آباء الأمجاد صونــــــــــا لاسمـه
تركوا السفاح فلم يصبهم عاره من آدم وإلى أبيــــــــــــه وأمـــه
أوجه الكمــــال في الجمــــال المحمـــدي :
تخير الله سبحانه وتعالى لنبينا محمد صـــلى الله عليه وسلم الحسن كله. إنْ في وجهه أو بصره أو سمعه أو صوته أو جسده أو مشيته.. إلا أن هذا الحسن لا يفتنن به الناس لأنه متوج بأمرين عظيمين:
الأول: الهبة والجلال، والثاني: النور والضياء. تقول في ذلك أمنا عائشة رضي الله عنها:
” كان رسول الله صـــلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ برقت أسارير وجهه كأنه قطعة قمر“.
ويقول عنه أبو هريرة رضي الله عنه: ” كان رسول الله صـــلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها كأن الشمس تجري في وجهه “، وتصفه أم معبد وتقول لزوجها :” رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، حسن الخلق، مليح الوجه، قسيما، وسيما، واسع الجبين، أزج الحاجبين، أدعج العينين، ضليع الفم، مفلج الأسنان، أبهى الناس وأجملهم من بعيد، أحلاهم وأحسنهم من قريب، أقنى العرنين، أنور المتجرد، لم تعبه تجلة “. يعني كرش لأن بطنه صــــلى الله عليه وسلم كان مستويا مع صدره.
خلـــقت مبرءا مـــن كـــل عيب كــأنك خلـــقت كمـــا تشـــــــــاء
وكان صـــلى الله عليه وسلم كاملا في بصره، يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في الضوء، ويرى من خلف كما يرى من أمام. وكان نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، فجل نظره الملاحظة.
وكــان صــــلى الله عليه وسلم كاملا في صوته، صوته حسن النغمة وقوي يبلغ ما لا يبلغه صوت غيره، وفيه بحة وصحل ينمان عن اكتمال الجولة .
وكان صـــــلى الله عليه وسلم كاملا في جسده ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير، ذريع المشيئة، يمشي بهمة وقوة وكأنما الأرض تطوى له .
وكان صـــلى الله عليه وسلم كاملا في نظافته، فهو أنظف الناس ثوبا وبدنا ومجلسا وبيتا، رائحته صـــلى الله عليه وسلم طيبة تعبق في أي طريق يمر منه. ورائحة عرقه تفوق رائحة المسك والعنبر، أما ريقه فإذا مزج بالماء المالح صار عذبا وزاد بركة. أما عن ملمسه فيقول أنس رضي الله عنه:
“ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا شممت مسكا ولا عنبرا أطيب من ريح رسول الله صـــلى الله عليه وسلم“.
منزه عــــــــن شـــــريك فــي الحــسن فجوهر الحسن فيه غير منقسم
مـــن أوجه الكــــمال فــي القلب المحـــــمدي :
تخير الله سبحانه وتعالى لنبينا محمد صـــلى الله عليه وسلم القلب الكامل. وكمال هذا القلب في ما ملئ به من رحمة ولين وعفو، من علم وحكمة ويقظة من تقوى وإيمان ويقين، من حياء ووفاء وعدل، وفي خلوه من أي غل أو حسد أو كره أو غيرة أو شك أو شبهة أو نفاق.
مـــــن الكـــــــمال فـــي عفوه :
أن حبرا من أحبار اليهود وهو زيد بن سعنة، درس صفات النبوة وعرف علاماتها في رسول الله صــــلى الله عليه وسلم، وبقيت علامتان يريد أن يخبرهما. الأولى: أن يسبق حلمه غضبه.
والثانية: أنه لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما. فكان أن ذات يوم جاء أعرابي يشكو لرسول الله صــــلى الله عليه وسلم شدة العيش في إحدى القرى، وكان زيد يسمع، فقال لرسول الله صــــلى الله عليه وسلم : أنا أشتري منك كذا وكذا وسقا بكذا وكذا، وأخرج المال وأعطى ثمانين دينارا فدفعها إلى الرجل، واتفق مع رسول الله صـــلى الله عليه وسلم على موعد معلوم يقضيه فيه حقه، إلا أن زيدا تعمد أن يأتي عند رسول الله صـــلى الله عليه وسلم قبل الموعد فدنا منه وجذب برديه بشدة ثم قال له بغلظة : ” ألا تقضيني يا محمد ، فو الله إنكم يا بني عبد المطلب لمطل ولقد كان لي بمخالطتكم علم”. فغضب عمر وقال: “أي عدو الله أتقول هذا لرسول الله ؟ فو الذي بعثه بالحق لولا ما أخاف فوته لسبقني رأسك” ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر ويبتسم لقوله، ثم قال: “لأنا وهو أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التقاضي. اذهب به يا عمر فاقض حقه وزده عشرينا صاعا من تمر مكان ما رعته”. وهنا سكنت نفس زيد واطمأنت، حيث وجد العلامتين اللتين كان يبحث عنهما.
مــــــــن الكـــــــمال فــي عــــــــدله:
صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر في مرض وفاته فقال: “يــأيها الناس من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، ولا يقولن أحد: إني أخشي الشحناء من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ألا وإن الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني، ألا وإن أخيركم إلي من أخذ مني شيئا كان له، أو حللني فلقيت الله عز وجل وأنا طيب النفس، فقام إليه رجل فقال يـــا رسول الله، إن لي عندك ثلاثة دراهم، قال: أما أنا لا نكذب أحدا ولا نستحلفه فيما صار لك عندي؟ قال: تذكر يوم مر بك مسكين فأمرتني أن أدفعها إليه. فقال عليه الصلاة والسلام ادفعها إليه يا فضل، يعني ابن عمه العباس“.
مـــــــن الكــــــــــمال فـــي تـــواضعه :
ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال:” كان رسول الله يشهد الجنائز، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد، ويجلس عند رأس المريض ويسأله عن حاله، ويقول: “كيف تجدك، لا بأس عليك طهور بإذن الله”.
وما رواه أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه فقالت له: إن لي إليك حاجة. فقال: “اجلسي في أي طريق المدينة شئت أجلس إليك“.
وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: ” كان صلى الله عليه وسلم بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخصف نعله ويخدم نفسه “.
مـــــــــن الكــــــــــــمال فــي حيائــــــه:
كان صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء. روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل شيء لم يقل ما بال فلان . ولكن، ما بال أقوام يقولون كذا وكذا” لا يواجه صلى الله عليه وسلم أحدا بما يكره.
وروى ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من وراء الحجرات وما رأى أحد عورته قط.
ومن كمال حيائه أن قوما أطالوا الجلوس عنده بعد الأكل فاستحيا أن يقول لهم انصرفوا حتى نزلت الآية في ذلك : { يــــأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبيء إلا أن يوذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستانسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبيء فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق}.
مــــــن الكــــــــــمال فـــي جـــــــوده:
كان جوده صلى الله عليه وسلم ليس لكسب محمد أو للمباهاة أو الاستغلال، بل في سبيل الله وابتغاء مرضاة الله.
كان جوده في الإنفاق على الفقراء والأيامى والأيتام وفي تحرير الرقاب …
روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل إليه تسعون ألف درهما ووضعت على حصير ثم قال إليها يقسمها، فما رد سائلا حتى فرغ منها.
وفي مغازي الواقدي أن صفوان طاف معه صلى الله عليه وسلم يتصفح الغنائم يوم حنين إذ مر بشعب مملوء إبلا وغنما فأعجبه فجعل ينظر إليه، فقال صلى الله عليه وسلم : “آ عجبك هذا الشعب يــا أبا وهب ؟“ قال : نعم ، فقال : “هو لك بما فيه“ فقال صفوان : أشهد أنك رسول الله ما طابت بهذا نفس أحد قط إلا نفس نبي.
وفي سنن أبي داود عن عبد الله الهوزني قال : لقيت بلالا فقلت : يا بلالا حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ” ما كان له شيء وكنت أنا الذي ألي ذلك منه- أي أنا المتولي أمر ماله صلى الله عليه وسلم – منذ بعثه الله تعالى حتى توفي ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتاه مسلم فرآه عاريا أمرني فأنطلق أستقرض فأشتري له البردة ، فأكسوه وأطعمه.
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة “.
مـــــــــــن الكــــــــــــــمال فــي رحمته:
قال تعالى : { ومــــــا أرسلناك إلا رحمة للعالمين } فهو صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة لكل الخلق .
- الرحمة المهداة للكفار :
حيث أن الله سبحانه وتعالى قد رفع عنهم عذاب الاستئصال في الدنيا، بينما الأمم السابقة كانت إذا أرسل الله تعالى فيهم رسولا فكذبوه وكفروا به، جاءهم العذاب فعَمَّهم مثل قوم نوح وعاد وثمود ولوط وغيرهم .
- الرحمة المهداة للمنافقين :
حيث أن الشريعة أكرمتهم بالأمان من القتل والسبي نظرا لظاهر إسلامهم في الدنيا.
- الرحمة المهداة للظالمين :
فقد كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو يقول: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”.
وقد رشقت قدماه بالحجارة وأهين شر إهانة يوم ذهب إلى الطائف، فبعث الله إليه بجبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال ليأمره بما شاء في هؤلاء القوم، لكنه عليه الصلاة والسلام قال: “كلا، بل إني لأرجو الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا”.
وقد فتح الله عليه بمكة المكرمة، ولما اجتمع إليه القوم من قريش، الذين آذوه وأخرجوه من مكة وقتلوا كثيرا من أهله وأصحابه، فقال لهم : “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
- الرحمة المهداة للصبيان :
روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم عن شدة وجد أمه”.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:” جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنكم تقبلون الصبيان وما نقبلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك ؟”.
وروى مسلم في صحيحه عن عمرو بن سعيد عن أنس رضي الله عنه قال: “ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يمسح على رؤوسهم ويقبلهم، ويوثرهم بالفاكهة في مجالسه”.
- الرحمة المهداة للحيوان :
كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن إرهاق الحيوان بإطالة الجلوس عليه، يقول : “اركبوها سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا لله منه”.
دخل صلى الله عليه وسلم يوما بستانا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه، فأتاه رسول الله فمسح ذفريه – موضع الأذنين من مؤخرة الرأس – فسكت الجمل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من رب هذا الجمل ؟”، فجاء فتى من الأنصار، فقال: أنا يا رسول الله. فقال له صلى الله عليه وسلم: “أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتدأبه” أي تتعبه .
ونهى صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم، وذلك بتسليط بعضها على بعض، وعن إفجاع الطيور في فراخها أو قتلها ليس لمنفعة. يقول صلى الله عليه وسلم: “من قتل عصفورا عج إلى الله يوم القيامة يقول يا رب إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة”.
مــــــــــن أوجه الكـــــــــــــمال فـــي العقل المحمـــدي:
تخير الله سبحانه وتعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم العقل الكامل، ويتجلى هذا الكمال في نجاحه صلى الله عليه وسلم بأن يخرج الناس من كل ظلمات ذواتهم على أنوار الإنسانية الفاضلة التي تجعل من حياتها محرابا تعبديا.
فهو صلى الله عليه وسلم يهذب الغرائز ويسمو بها، جاء شاب يستأذنه في الزنا فهذبه بقوله صلى الله عليه وسلم: “أترضى أن يزني الناس بأمك أو بأختك أو ببنتك؟“ فقال الشاب : لا ، فقال له صلى الله عليه وسلم “وكذلك الناس يكرهونه”. فما كان من الشاب إلا أن قال : أشهد أني تبت من الزنا.
وها هو صلى الله عليه وسلم يحقن الدماء يوم حكمته قريش في وضع الحجر الأسود. ذلك أن قريشا لما بنت الكعبة اختصمت القبائل في من يضع الحجر الأسود في موضعه، وتحاورت وتحالفت وأعدت للقتال، وبلغ بهم الحال أن ملأوا جفنة من الدماء وأدخلوا أيديهم في تلك الدماء ومكثوا على ذلك أربع أو خمس ليال، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد واتفقوا على أن يحكموا أول داخل من باب المسجد فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا هذا الأمين رضينا هذا محمد، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله عليه وسلم: “هلم إلي ثوبا” فأوتي به فأخذ الحجر الأسود ووضعه فيه بيده ثم قال : “لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا”، ففعلوا حتى إذا بلغوا موضعه وضعه هو بيده ثم بنى عليه .
وها هو صلى الله عليه وسلم يكرم العقل عند الملوك فيحسن اختيار رسله إليهم.
فهذا العلاء بن الحضرمي يبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر ابن ساوى ومعه كتاب يدعوه إلى الإسلام، فلما قدم قال له يا منذر: “إنك عظيم العقل فلا تصغرن في الآخرة، إن هذه المجوسية شر دين، ليس فيها تكريم للعرب ولا علم عن أهل الكتاب، إنهم ينكحون ما يستحيى من نكاحه، ويأكلون ما يتكرم عن أكله، ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة، ولست بعديم الرأي، فانظر هل ينبغي لمن لا يكذب في الدنيا أن لا تصدقه، ولمن لا يخون أن لا تأمنه، ولمن لا يخلف ألا تثق به”.
فقال له المنذر :” قد نظرت في هذا الذي في يدي دين المجوسية فوجدته للدنيا دون الآخرة، ونظرت في دينكم فرأيته للآخرة والدنيا فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت، ولقد عجبت أمس ممن يقبله، وعجبت اليوم ممن يرده، وسأنظر فيما أصنع” أي في الذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مكاتبته .
وهذا المهاجر ابن أمية المخزومي شقيق أم سلمة أم المؤمنين بعثه رسول الله إلى الحارث بن عبد كلاب أحد ملوك حمير، فلما قدم عليه قال له :” يا حارث إنك كنت أول من عرض عليه المصطفى نفسه فخطئت عنه وأنت أعظم الملوك قدرا، وإذا نظرت في غلبة الملوك فانظر في غالب الملوك، وإذا سرك يومك فخف غدك وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها، عاشوا طويلا وأملوا بعيدا وتزودوا قليلا فمنهم من أدركه الموت ومنهم من أكلته النقم، وأنا أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك، وإن أرادك لم يمنعه منك أحد وأدعوك إلى النبي الأمي الذي ليس شيء أحسن مما يأمر به ولا أقبح مما ينهى عنه، واعلم أن لك ربا يميت الحي ويحيي الميت ويعلم خائنة العين وما تخفي الصدور”.
وها هو في موعظته يختار لكل مقام مقالا يناسبه ويخاطب كل أمة بلسانها، ويتحرى بموعظته وقت حاجة الناس إليها، وقدر ما تحمله منها عقولهم، ولا يجعلها عليهم ركاما، فكانت بذلك هداية للناس مزكاة من المولى عز وجل حيث قال: { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }.
وها هو صلى الله عليه وسلم يرشد التعامل والتواصل بين الناس ويقول: “إنكم لن تسعوا بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم“، “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر ما حرم الله“، “تبسمك في وجه أخيك صدقة“، “التدبير نصف المعيشة والتودد نصف العقل“.
وها هو صلى الله عليه وسلم يرشد إلى سبل التنمية الذاتية ويقول: “الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت“، “لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعز من العقل“، “إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء“، “عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة“.
وها هو صلى الله عليه وسلم يحبب العبادة للناس ويقول: “الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك” ، “الصيام جنة وحصن حصين من النار“، “الحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة” ، “ما عمل آدمي عملا أنجى له من العذاب من ذكر الله” .
مــــــــــن أوجـــه الكــــــــــمال فــــي المناقب المحــــــمدية :
اختص الله سبحانه وتعالى نبينا صلى الله عليه وسلم بأنواع من الفضائل والكرامات، منها:
- أن الله أخذ الميثاق على النبيين كلهم أن يؤمنوا به.
- أنه وقع التبشير به في الكتب السماوية التي سبقت القرآن العظيم.