المرأة: جدال وسائل التواصل وخطابات التخلف
بقلم: يسرى والشاف
مع تقدم الزمن وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المعارف والثقافات تتشكل من خلال هذه التقنيات. وتَبُثُ من خلالها ما تريد من الإيديولوجيات الخاصة بالحياة.
هذه السهولة في تدفق المعلومات ووصولها إلى أكبر عدد من الناس كفيل بهدم بيوت وخرائها؛ لأن عددا من الأشخاص في هذه المواقع يطرح قضية المرأة إما بجعلها ندا للرجل؛ وذلك بإظهار قوتها في تحمُّل جميع المهن. وأيضا من جهة أخرى أنها ما دامت قد خرجت فقد أصبحت تتمثل قول الله تعالى: ” وبما أنفقوا” فهي أصبحت رجلا لا فرق بينها وبين الرجل في شيء سوى الخصائص البيولوجية.
ومن منظور آخر فهناك من يتعامل مع قضية المرأة على أنها كائن بشري يختلف عن كينونة الإنسان العادي، إذ يعتبرها مجرد ” فتنة” لا تَنْحَلُ صفتها عنها، فإذا ذكرت المرأة إلا وكان وصف الفتنة حاضرا فيها، وهو ما يستمدونه من مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة التي ينظرون إليها نظرة اختزالية تعتمد على إيديولوجية معينة دون مراعاة لفقه النص وفقه الواقع كما هو مقرر عند العلماء.
وطائفة من الناس استغلوا الدين في سبيل التعظيم من شأن الرجل وجعل الزواج بمثابة دولة يملكها ملك وهو الزوج والمرأة خادمة فيها، مما شكل عقلية بعض الناس على غير المنظور الشرعي للزواج ولا للمرأة.
إن هذه الفئات تستغل الدين بطرق متعددة لتصنع في النهاية استدلالا متينا؛ على أن الشرع أتى بما يحملونه من أفكار والاعتقادات، وهو ما يفتح سؤالا مهما جدا؛ أهكذا كانت حياة المرأة مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ أهذه الأيديولوجيات تمثل واقع النبوة أم هو هوس الانتماء لإثبات أحقية الأفكار؟
حياة المرأة مع النبي صلى الله عليه وسلم:
إن المرأة في حياته صلى الله عليه وسلم؛ بنتا وأما وزوجا، كانت لها أبعاد متعلقة بجنابه الشريف صلى الله عليه سلم على أنه نبي الرحمة والهدى، وسيد المقتدين به صلى الله عليه وسلم وقد قالت فيه عائشة رضي الله عنها: ” كان خلقه القرآن“، فإذا كان كذلك فمن شَخْصِّه وسيرته يُرى الإسلام، لا وفق ما يبثه الناس من أفكار ونظرات للحياة، لأن الإسلام جاء ليغير معالم التفكير والعيش الإنساني بأن يكون الإنسان عبد لله ومنقادا لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأي خروج عن النور الذي معه صلى الله عليه وسلم، هو خروج عن فهم القرآن بحد ذاته ولذلك فالعلماء اعتنوا عناية كبيرة بالأحاديث النبوية الشريفة من خلال تمحيصها وفحصها ونقد متونها وأسانيدها ليخرجوا للأمة سيرته وأقواله كما قالها صلى الله عليه وسلم.
إن قضية المرأة إذا لم تفهم داخل السيرة ومقتضى القرآن وفهوم العلماء الأجلاء، سينتج عن ذلك سلبيات متعددة من بينهما ما نرى بوادره الآن من النسويات؛ التي كانت تطالب في أول وهلة مجرد إعطاء الحق الطبيعي للمرأة، حتى ما لبثت تطالب بتعطيل الحقوق بين الجنسين وجعل جنس واحد هو المسيطر في دائرة الحياة[1]، وهو ما يعتبر في الشريعة فاحشة ومقتا، لأن مقاصد الحياة في هذا الكون؛ الإعمار، والاستخلاف، فلا إعمار بدون تكامل بين الرجل والمرأة، ولا استخلاف بدون إعمار.
إن حياة الأنثى في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت من أرقى أنواع الحياة، إذ كان الجو فيه مفعما بالحب والاحترام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُراعي حاجات زوجاته مراعاة المحب لحبيبه، ويلبي نداءهن.
وكان في بيته يخصف نعله ويخيط ثوبه مساعدة لهن وتطيبا لخاطرهن وتربية لرجال الأمة الإسلامية.
من المواقف الجميلة في السيرة النبوية عن هذه المشاعر الإنسانية: ” أن عائشة رضي الله عنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب فقال: “ما هذا يا عائشة“؟
قالت بناتي ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع فقال ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت فرس قال وما هذا الذي عليه؟ قالت جناحان قال فرس له جناحان؟
قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت فضحك حتى رأيت نواجذه”. رواه ابن ماجة والنسائي.
هذا الحديث من أعجب الأحاديث الدالة على عمق المشاعر بين الزوجين من ناحية، ومن ناحية أخرى مراعاة المشاعر والاهتمامات لدى زوجه، ومع أنها زوجة له صلى الله عليه وسلم لم تنسلخ من فترتها العمرية التي تعيش فيها لتجعل من نفسها قالبا يظهر لناس أنها في استغناء عن هذا النوع من اللهو، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليمتنع من أن يشارك زوجه أوقات الانهماك في فرحتها وشغفها وهي تلاعب بناتها كما أسمتها بنفسها.
من هنا يتضح لك أن الاهتمام والمشاركة والحب الذي بني عليه هذا الموقف، قد يعتقده بعض الرجال أنه تافه لا قيمة له، إلا أنه له أثر في وجدان زوجته.
علاوة على ذلك فإن هذا الموقف وغيره من المواقف يعبر عن طبيعة العلاقة بين رسولنا الكريم وزوجه رضوان الله عليها، فهي لم تكن مجردة علاقة مبنية على أعمدة هزيلة إنما كانت كقوله تعالى: ” وجعلنا بينكم مودة ورحمة ” وهو أساس الحياة الزوجية.
من جهة أخرى فإن هذا الحديث ورد فيه جانب مهم وهو طبيعة كلٍ من المرأة والرجل وأن طباعهما مختلفة ولذلك خلقهم الله، ولو شاء الله لجعل الأمة جنسا واحدا؛ في كل منهما خاصية واحدة.
لكن الباري سبحانه أراد أن يكونا جنسين أحدهما مخلوق من الآخر لمقصد السكن والطمأنينة بجانب زوجه قال سبحانه: “هو الذي خلق لكم من أنفسكم أزوجا لتسكنوا إليها“.
والسكن لا يتحقق ببث روح العلو والتعالي في جنس دون آخر، واتخاذ ذلك ذريعة لبناء الأسر إنما تتحقق الأسر بمبدأ الاحتواء والسكن والتمَثُلِ لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وأخيرا؛ بعد هذا العرض الموجز عن الأنثى في حياته صلى الله عليه وسلم يتحقق لنا أن ما يبث من إيديولوجيات تهين المرأة وتجعلها دون الإنسان لا تمت للدين بصلة، وأن أي انتماء للشريعة إنما هو هوس الانتماء من أجل إثبات أحقية الفكرة في التشريع، والتشريع منها بريء.
إن المرأة ليست بحاجة ليقال لها من تكونين إنما بحاجة ليقال لها هذا ميدانك فأوفي برسالتك في الحياة، لقد انتهت الفترة التي يقال فيها للمرأة عليك بلزوم البيت –بالمفهوم المتطرف- والنزوح فيه فنحن الآن أمام واقع أصبحت الأصوات الصاخبة مجرد نغمات موسيقى لا يأبه بها إلا من عميت بصيرته، إضافة إلى أن المرأة أضحى لها حيز في الكون تنتج فيه وتقدم خبراتها للعالم، وتكرار تلك الأصوات أضحى صوتا مكشوفا باهتا يجب التخلص منه، والنظر إلى الواقع لا البكاء على أطلال الماضي وأحوال النساء فيه فالإنسان ابن زمانه والدين باق إلى يوم القيامة.
أما الخطابات الإنسانية الدعوية فلابد لها من تجديد فلا يعقل مخاطبة المرأة بما كانت تخاطب به قبل مئة عام بل والتشديد عليها وكأنها كائن شرير سيغزو العالم، ولكن كما كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم فهو من فهم المرأة واحتياجاتها فالاقتداء به واجب، والاستقاء من سيرته ضرورة في زمن غابت فيه ملامح أفعال النبي صلى الله عليه وسلم عدا الاحتفال بميلاده الذي يحسن الجميع فعله.
لست مع النسويات ولا مع من ينادي بجعلها كيانا ماديا يرفرف في أعالي الجبال، لكنني مع من يقول المرأة ظلمت في الخطاب النسوي وفي الخطاب الدعوي أيضا، لذا علينا أن نراجع أفكارنا حول المرأة بوصفها إنسانا قبل كل شيء، وألا يكون تعاملنا معها ككائن خارج الكوكب أتى من كوكب المريخ، والسيرة لنا في ذلك قدوة ونبراس.
[1]أعنى أنها تستقل بحياتها دون الحاجة لرجل في حياتها.