العيد في الإسلام: دعوة للتغير و حافز على العمل
بقلم : حسن بوجعادة
الفرح بمتع الحياة و التسابق إلى إقتناء أجود الأضاحي و أغلاها قصد التباهي بها هي أمور أخرجت العيد عن أهدافه الشرعية و مراميه السامية عند كثير من الناس حتى صار العيد عندهم عادة ينتظرونها على أحر من الجمر أما ذوو القلوب المريضة الذين يسخرون أقلامهم لإثارة الشبهات و الذين لا يتورعون كلما سنحت لهم الفرصة ، عن هدم التراث باسم التنوير و التحرير فهم لا يرون في العيد و الأضحية سوى عادة تكرس التخلف و الرجعية يجب إقامة قطيعة معها .
و مما ينبغي التأكيد عليه هو أن أحكام الشريعة الإسلامية ، حتى التي وردت على سبيل الندب و الإباحة ، لم توضع هكذا عبثا بل كلها تتسم بالحكمة و تنشد تحقيق المصلحة للإنسان سواء في علاقته بربه أو علاقته بغيره .
وفي العيد و الأضحية من الدلالات و الحكم ما يحفز المؤمن لتقوية علاقته بربه.
فكيف يمكن أن نجعل من ذلك اليوم من خلال أحكامه وشعائره بداية للتغيير و حافزا للعمل داخل المجتمع الإسلامي ؟
إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي منا التفكر في العناصر التالية :
أولا : إن الله عزوجل أمر عباده بالصلاة و الذبح في هذا اليوم فقال سبحانه “فصل لربك و انحر” (1)
و هاتان العبادتان كما قال ابن تيمية دالتان على القرب والتواضع وحسن الظن وعودة اليقين و طمأنينة القلب إلى الله وعدته وأمره و خلقه وفضله عكس حال أهل الكبر و النفرة (2)
ثانيا : أن الأضحية لها ارتباط بقصة إسماعيل الذبيح ، وكي نفهم قصة إسماعيل الذبيح و ندرك مغزاها و أهدافها السامية لابد من الاشارة باقتضاب إلى قصة إبراهيم الخليل لأن الحدث له ارتباط بشخصية أبراهيم الخليل الذي وصفه الله عز وجل بأنه كان أمة أي الإمام الذي يقتد به وفق تفسير ابن كثير(3) أو الرجل الجامع للخير (4).
لم يرزق إبراهيم عليه السلام بالولد إلا بعد إن بلغ من الكبر عتيا،وفي ذلك يقول تعالى : “الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل و اسحاق ان ربي لسميع الدعاء ” (5)
تم يأتي الأمر من الله تعالى بأن يأخذ إبراهيم زوجته وولده الجديد الذي طال انتظاره إلى مكان قفر لا وجود فيه لطير ولا لبشر، مكان يعجز المرء أن يتحمل العيش فيه يوما واحدا
وهذا المشهد الذي يحير العقول يدل على أن إبراهيم عليه السلام قد تجاوز هذا الاختبار لما استجاب لأمر الله عزوجل دون أن يستشير الزوجة او حتى يخبرها بالأمر ليبقى حبه لربه أقوى و أعظم من حبه لزوجته و لابنه الوحيد وأن رضا الله هو هدفه الأول و الأخير
ولما كبر اسماعيل وبلغ السن الذي يستطيع فيه العمل و يقدر على الكسب والسعي يأتي الابتلاء الأكبر و الامتحان الأعظم ، فيوحي الله الى إبراهيم عليه السلام بأن يذبح ابنه وفي ذلك يقول تعالى ” فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبتي افعل ما تومر ستجدني إن شاء الله من الصابرين “(6).
قد استجاب إبراهيم لأمر الله عز وجل وقبل أن يضحي بفلدة كبده،واستجاب اسماعيل لأمره الله عز وجل وقبل أن يجود بنفسه.
لقد تغلب إبراهيم على حب الولد و تغلب إسماعيل على حب النفس فكان حب الله هو الغالب على قلبيهما ورضا الله هو هدفهما .
وفي هذه القصة القرآنية دعوة للمؤمن بأن يملأ قلبه بحب الله حتى يتغلب على المشاعر الأرضية و الأحاسيس العابرة.
ذلك الحب الذي يدعو إلى التضحية بالغالي و النفيس فيستصغر كل شيء مقابل الوصول إلى رضا الله عز وجل الذي ينبغي أن يكون هو الدافع لكل الأعمال و المحفز لكل المبادرات فيتحقق الإحسان وهو المنشود في كل عمل و يكون الجزاء من رب العالمين بما تقربه عين المؤمن ويسعد في دنيا وأخره يقول تعالى :”كذلك نجزي المحسنين ” (7)
ثالثا : إن العيد في الإسلام يختلف عما هو عليه في سائر التشريعات الأخرى .
فإذا كانت الأعياد في الديانات الوثنية أو الديانات السماوية التي لحقها التحريف تقتصر على الإغراق في الفرح و التلذذ بمتع الحياة بما يجعل الإنسان عبدا لنزواته و أسيرا لأهوائه يرضى بالحياة الدنيا ويجعلها مبلغ علمه ومنتهى أمله فإن الأعياد في الإسلام تجعل من التمتع بالحياة و الفرح من وسائل تحقيق السعادة في الدارين ، فيكون الفرح بالإسلام و شرائعه وبالقرآن و آياته والفرح بالسير على هدي النبي صلى الله عليه و سلم هو المطلوب من كل مؤمن و في ذلك يقول تعالى :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)
فأما الفرح المذموم هو الذي يجعل الإنسان مزهوا بنفسه مفتخرا بما عنده ، ويعتبر قارون أكبر مثال لهذا النوع من الفرح يقول تعالى على لسان قوم قارون ” إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ” 9
إنه فرح الإنسان الذي سرعان ما يجحد فضل الله عليه ، يقول تعالى وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)
رابعا : من أعظم شعائر الإسلام التي يؤديها المسلمون يوم العيد الصلاة .
و إن كانت الصلاة من السنن المؤكدة فهي تدل على ضرورة توحيد المسلمين و الحرص على تماسكهم و إظهار قوتهم حتى يكونوا بنيانا واحدا يشد بعضه بعضا ، مما يقتضي نسيان الخلافات في ذلك اليوم و إزالة الأحقاد و الضغائن و كل ما من شأنه أن يحدث الفرقة و يشتت الشمل .
ولأن المرأة جزء من المجتمع لها دورها البارز في جمع شتاته و توحيد كلمته فقد حث النبي صلى الله عليه و سلم على ضرورة خروج النساء للصلاة حتى الحائض منهن رغم أنها تعتزل الصلاة إلا أنها تشهد ذلك الموقف ، ولأن وحدة المسلمين هي الهدف الذي ينبغي أن يسعى إليه كل الأجيال كان لابد من حضور الأطفال حتى يبقى مشهد اجتماع المسلمين وتألفهم راسخا في أذهانهم فيدركون أن المسلمين في توادهم و تراحمهم إنما هم جسد واحد و أن الشخص الأناني هو عضو غير مرغوب فيه لأنه عديم الفائدة و أن الشخص الذي يأمل الخير وينشد الإصلاح هو الذي يساهم في تحقيق الأخوة بين المسلمين.
1. سورة الكوثر — الآية : 2
2. ابن تيمية – مجموع الفتاوى ( ج 16 / 531 – 532 )
3. تفسير ابن كثير ( 4/611 )
4. أبو عبد الله القرطبي – أحكام القرآن – ( 10 /194 )
5. سورة ابراهيم – الآية : 41
6. سورة الصافات – الآية : 102
7. سورة الصافات – الآية : 110
8. سورة يونس – الآية 57-58
9. سورة القصص – الآية 76
10. سورة هود — الآية 9-10