مقاصد العيد ودلالاته التربوية
بقلم : يوسف عكراش
العيد هو يوم عظيم من أيام السنة ويتضمن حدثاً بارزاً أو مناسبة هامة وقد أمرنا الله عز وجل بواسطة نبيه صلى الله عليه وسلم بإحيائه بالعبادة والتقرب إلى الله بالطاعات والأعمال الصالحة، وقد شرح أئمتنا عليهم السلام في الكثير من الروايات الواردة عنهم فضل يوم العيد على سائر أيام السنة التي لا تحمل دلالات ومناسبات مهمة وعظيمة.
كما أن العيد في الإسلام هو شعيرة من الشعائر وله طابعه الديني الخاص به والمميز والذي يكون في إحيائه ترسيخ للإيمان في النفوس والقلوب الممزوج بالفرح والبهجة والسرور، وقد قال تعالى «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» الحج 32 . وقوله أيضا «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فبذلك فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» يونس 58.
والأعياد الإسلامية المعتبرة عندنا والتي وردت فيها الروايات الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يوم الفطر، يوم الأضحى، ويوم الجمعة، وإن كان هناك على مدار العام أيام مهمة إلا أن الإسلام لم يعتبرها من الأعياد مع ما لها من المعاني والدلالات كيوم عرفة وليلة القدر وغيرهما من الايام التي تحمل في طياها معاني ودلالات ولم تعتبر عيدا. و تأتي هذه الكلمات اليسيرات ضمن هذا الطرح إظهارا لحقيقة مقاصد العيد وبعض دلالاته التربوية التي اضحت تندثر في وقتنا الحالي، إذ يمكن إجمال هذه المقاصد والدلالات فيما يلي:
– العيد في الإسلام له مقاصد سامية ودلالات عظيمة، تتمثل في كون فرحة المسلمين به تنطلق من شعورهم بتوفيق الله تعالى لهم لأداء ما فرضه الله تعالى عليهم واستبشارهم بقبول الرحمن لأعمالهم ورضاه، فإذا ما وفق المسلم لأداء فريضة الحج كان من حقه أن يفرح يوم عيد الأضحى المبارك.
– العيد دعوة للمسلمين لإحياء هذه المناسبة العظيمة بالصلاة والدعاء والتضرع، وتلاوة القرآن والتكبير والتهليل والتحميد وكثرة الذكر والشكر لله رب العالمين في الطرقات وفي المساجد والبيوت وخاصة أيام التشريق لما ورد في ذلك من فضل، ويعد ذلك إظهارًا لشعار العيد وقوة المسلمين وترابطهم.
– العيد تربية المسلم على مبدأ التوحيد الذي يربط بينه وبين إخوانه المسلمين في كل مكان حينما يعيشون هذه المناسبة المباركة في زمان واحد وشعور واحد وفرحة واحدة.
– العيد مواساة أفراد المجتمع المسلم كبيرهم وصغيرهم، فقيرهم وغنيهم، الأمر الذي يربي أفراد هذا المجتمع على التعاون والتراحم، ويقوي شعور الفرد بالانتماء لهذه الأمة والانطواء تحت لوائها لما يشترك أبناء الإسلام في كل مكان في سرائهم كما يشتركون في ضرائهم.
– ومن مقاصد العيد الأساسية: التذكير بحق الضعفاء والعاجزين من -ذوي الاحتياجات- ، ومواساة أهل الفاقة والمحتاجين، وإغناؤهم عن ذل السؤال في هذا اليوم، حتى تشمل الفرحةُ والبهجة والسرور كلَّ بيتٍ، وتعمَّ كل أسرة، ومن أجل ذلك شُرِعت الأضحية وصدقة الفطر.
– ومن مقاصد العيد، تغيير نمط الحياة المعتادة، وكسر رتابتها الثابتة، ذلك أن من طبيعة النفس البشرية حبها وتطلعها إلى تغيير ما اعتادت عليه من أعمال، فكان العيد مناسبة للتغيير، وفرصة للترويح، لتستريح بعد التعب، وتفرح بعد الجد والنصب، وتأخذ حظها من الاستجمام وما أباح الله، فتعود أكثر عملاً ونشاطاً، ولهذا – والله أعلم – جاء النهي عن صيام يوم العيد.
– ومن مقاصد العيد مباسطة الأهل ومداعبتهم والتوسعة عليهم، وخاصة بعد أن اختل توازن العلاقات الاجتماعية في عصرنا الحالي، إذ باعدت تكاليف وشؤونها بين الأب وابنه وبين الزوج وزوجته، وبين الفرد وأقاربه، فيأتي العيد ليعيد شيئا من هذا التوازن المسلوب.
– ومن مقاصد العيد ومراميه تحقيق التكافل الاجتماعي والسخاء والمودة في القربى والبشاشة والفرح في وجه من نلقاه من المسلمين وذلك بذل الصدقات و تبادل الهدايا، والتوسعة على الأهل والأولاد والجيران، وبث الوئام، والبدء بالصلح، ونبذ الخلافات، وتنقية القلوب من الضغائن والأحقاد، والعفو عن المسيء، وإفشاء السلام على مَن نعرف ومَن لا نعرف، وإطعام الطعام.
– العيد تربية على نشر المودة بين أفراد المجتمع الإسلامي، وذلك بصلة الأرحام وتجديد أواصر المحبة والتواد بينهم.
– العيد تربية على الجمالية التي تتمثل في الزينة ولبس أحسن الثياب، والتطيب بأجود الطيب والتجمل لله سبحانه، وهذا التزين المشروع في إظهار وشكر لنعم الله سبحانه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا أنعم على عبد نعمة أن يرى أثر نعمته عليه»[1]
- – العيد وقفة مع النفس لتتفكر في مصيرها المحتوم، وذلك لما يتفكر المسلم صبيحة يوم العيد فيمن صلى معه الأعياد الماضية من الآباء والأجداد والأصحاب والإخوان، وأنهم قدموا على الله تعالى فمنهم شقي ومنهم سعيد. وهذا فيه تربية ذاتية للإنسان المسلم لمحاسبة النفس بين الحين والآخر فتكون النتيجة أن يحمد الله سبحانه على ما قدم من خير وإحسان ويستغفره لما كان من غفلة ونسيان.
– ومن المقاصد أيضا التربية على الإحسان في كل شيء وتتجلى في طريقة ذبح الأضحية ومعاملتها برفق ورحمة، كما علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم، بأن نحد شفرتنا، ونُرِيح ذبيحتنا، ولا نُرِيها المُدْيَة أي السكين حيث قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحسان عَلَى كُلِّ شيء، فإذا قَتَلْتُمْ فأحسنوا الْقِتْلَةَ، وإذا ذَبَحْتُمْ فأحسنوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أحدكم شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».
وفي الختام: فإن العيد في حقيقته شكر للمنعم سبحانه على توفيقه للعبادة وإعانته على تمامها، كما قال عز وجل: «ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون» البقرة:185. وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وأعاده علينا وعليكم باليمن والخير والبركات.
السنن الكبرى، للإمام البيهقي. كتاب صلاة الخوف-باب الرخصة للرجال في لبس الخز. رقم؛ 6093. ج/ 3. ص/ 385.[1]