ملاحظة حول العلاقة الجنسية الرضائية
وقد اتفق الفلاسفة منذ القديم على أن الوضع السليم للإنسان هو أن تتحكم قوته العاقلة في قوته الشهوية، وأن تروض الأولى الثانية بما يجعلها خاضعة لمصلحة الإنسان ومنفعته ولو كانت ضد متعته، وأن هذا الترويض وما ينتجه من تحكم العاقلة في الشهوية؛ هو أهم ما يميز الإنسان عن البهيمة؛ وأن ما قد يكون فيه من فوات متعة أو نزوة والحرمان من شهوة؛ هو ضرر صغير في خضم المصلحة الكبرى والمنفعة العظمى التي يجنيها الإنسان من سلوك العفة والاقتصار على الحلال دون الحرام؛ وهو السلوك الذي سماه القرآن الكريم: حفظ الفرج، واعتبرته شريعة الله من ضروريات الوجود الإنساني السعيد؛ داعية الإنسان إلى الجمع بين الضرورتين: المحافظة على الشرف والكرامة وصيانة العرض من جهة، والاستمتاع المباح بالجنس من جهة ثانية ..
وهو ما يفرض على الدولة والمجتمع المسلمين وضع سياسات وقوانين تضمن ذلك باعتباره من أهم حقوق الإنسان ..
علم التوحيد والتزكية
لقد غلب على الكتب التي درست التوحيد اعتماد المنهج الكلامي الجدلي؛ (وهنا الإشكال المنهجي الذي عُرِضت به هذه المعارف والعلوم). حتى ولو كانت على منهج العقيدة السلفية؛ إلا قليلاً! وذلك نظراً للجدل التاريخي الذي أحاط بموضوع العقائد، وما تخلَّلَه من فِرَقٍ ومذهبيات، تتأرجح بين الغلو والاعتدال، وتلك قضية أخرى.
لكن نتج عن هذا كله مشكل على المستوى المنهجي، ألا وهو غياب «المقاصد التربوية» من أغلب كتب العقائد، حيث فصَّلَت في بيان القسمين المذكورين معاً؛ لكن بمنهج نظري جدلي، لا بمنهج تربوي، قائم على «قصد تزكية الأنفس» الذي هو غاية تعريف العباد بالله رباًّ وإلهًا! وأُهمِل هذا المعنى العظيم، لتتولاه كتب أخرى وفنون أخرى، وُصفت أحيانا بكتب الرقاق، وأخرى بكتب الزهد، أو كتب السلوك، أو كتب التصوف.
وبغض النظر عن مشكلة التسمية وما تثيره من جدل؛ فإن غاية ما سَلِمَ من هذه المصنفات إنما هو تزكية الأنفس؛ لتتحقق من مفهوم (الإخلاص)، وذلك هو غاية التوحيد جملةً، وأساس توحيد الألوهية خاصةً. ومن هنا لم تكن «التزكية» غير التربية على «التوحيد» بمعناه القرآني الشامل. وعليه؛ فقد وجب أن نستعيد المنهج القرآني في عرض المادة التوحيدية، أعني منهج التربية والتزكية؛ للبلوغ بالتوحيد إلى ثمرته المَرجوَّة ، ألا وهي: الإخلاص، ولا يكون ذلك إلا بعلم وعمل.
ميزان السنة والبدعة في فكر العلامة دراز
يلخص العلّامة دراز تصوره للبدعة في عنصرين أساسيين:
– “التغيير في التشريع يجعل غير المشروع مشروعا، المشروع غير مشروع”.
– “التغيير في العمل مع اعتقاد مشروعية ذلك، وارتكابه باسم الدين”.
فإلى أي حد يمكن لمعيار العلامة دراز، فيما يخص تصوره لثنائية السنة/ البدعة، أن يخدمنا في شرطنا التاريخي الراهن؟ إلى أي حدّ يمكننا استدعاؤه لصالحنا لا لصالح أعدائنا المستعمِرين وأياديهم في دول الجنوب عامة، وفي الوطن العربي خاصة؟
حقوق المرأة المدنية
وهكذا أعلن أن المرأة مخاطبة بالشريعة وبالدين كالرجل، وإنها قادرة على أن ترتفع لأعلى درجات السمو الروحي والقرب من الله، كما أنها قادرة أن تلعب أدوارا كبيرة في الحياة العامة مثلما يلعبها أخوها.
نعم إن الإسلام حاول أن يوزع المسؤولية بين الرجل والمرأة، ويخصص لكل واحد منهما ناحية من نواحي العمل الجديرة به، ولكنه لم يمنع المرأة من أي عمل تختاره لنفسها إذا لم يتناف مع أصول الشريعة وقواعدها.
اهتمام الإسلام بالنسب
وفي هذه الطبيعة للنسب وقواعده أهمية كبيرة جدا في استقرار العائلة وثبوت الأنساب وعدم اختلاطها أو التلاعب بها، وصيانتها من الأهواء والنزوات، كما أن فيها ضمانة قوية لثبوت نسب الولد والمحافظة على مركزه الشرعي في المجتمع، وما يترتب على هذا المركز من حقوق له أو عليه، وإبعاد الغرباء عن طريق التبني من مشاركته في نسبه الحقيقي، وهذا كله مما انفردت به الشريعة الإسلامية، واختصت به، مما لا نجد له مثيلا في الشرائع القديمة والقوانين الوضعية القديمة والحديثة.
بدر الكبرى: الحدث وتفسيره
أسس المسلمون “دولة المدينة” في العام الأول للهجرة، وذلك بعد: توحيد الشعب، تحديد الإقليم، حيازة السلطة، وضع الصحيفة، بداية التشريع… إلخ. وفي العام الثاني، دشّن المسلمون بقيادة الرسول العظيم (ص) زمنًا آخر، هو زمن “التنفيذ المتدرج للاستراتيجية” (=التكتيك). في هذا الإطار يجب تعريف “الغزو”، وإلا ضاع (الغزو) في ثنايا الأحداث الصغرى التافهة، واستحالت الزعامة المخططة شخصية عشوائية تعيش على ردّ الفعل، حيث لا معنى للاهتداء بالوحي، ولا معنى للاصطفاء من الخلق.
التفكير في الوجود: تلك المأساة التي لا يطفئ نارَها إلاّ ماءُ “الوِجْدِ”..
لماذا فرِض علينا التفكير في كل هذا؟ أهو مفروض أم نحن من فرضناه؟ لا يهم ذلك، وما يهم هو أنه مفروض، ولا مخرج منه إلا بـ”جنونٍ في خلوة”، بـ”خروج من التاريخ لفترة”، بـ”يقين ليس عليه برهان عقلي”، بـ”شعيرة اختلف المقاصديون وتفنّنوا في تعليل كيفياتها”، بـ”ذلّة أنتجها عياء في التاريخ”…
أدبيات العمل التطوعي عند أبي العباس السبتي
إن المبادرات التطوعية والأعمال الخيرية التي يتسابق إليها كثير من الشباب بحماس قل نظيره وبأسلوب ومنهج يبعث على التفاؤل ويدل في نفس الوقت على وعي الإنسان، ليس من إبداع الجمعيات أو المؤسسات المدنية أو الأحزاب السياسية، إنما هو خلق تربى عليه المواطن المغربي منذ مئات السنين.
إن المبادر إلى فعل الخير والساعي إلى مساعدة الآخرين هو في الحقيقة إنسان يشاطر الآخرين آلامهم وأحزانهم. والأصل في هذا التصرف سنة النبي صلى الله عليه وسلم،حيث آخى بين الأنصار والمهاجرين، فشاطر الأنصار المهاجرين أموالهم وديارهم.
وهي سنة أحياها بمراكش رائد العمل الخيري الأول أبو العباس السبتي الذي اعتبر المشاطرة هي العدل، فشاطر إخوانه المؤمنين من الفقراء كل ما كان يملك.
“حقيقة الوحي” في نظر العلّامة دراز
إنه لأمر في غاية الأهمية أنْ يثبت أحد “علماء الشريعة” الكبار ربانية “الوحي” وإعجازه، دون أن ينفي نزوله في سياق تاريخي، وتأثيره في هذا السياق نفسه، وفي سياقات لاحقة بعده. وذلك هو الفتح الأول لمجال التركيب بين: الوحي وواقعه المادي، حتى يكون “الخطاب القادم من خارج التاريخ (الغيب)” فاعلا في “الواقع المادي للتاريخ”.
الصعود إلى القمة
يا بني، لن تتخلص من العجز الذي أنت فيه إلا بإظهار عجزك للواحد القهار.
لن تخرج من دائرة الحيرة والشك ذات الظلمة الدامسة إلا إذا أوقدت مصباح التوكل على الحي الذي لا يموت ورفعت راية التفويض للعليم الخبير.
لن ترى طريقك واضح المعالم إلا إذا تخلصت من الأفكار الضالة والمناهج المنحرفة التي تلف عقلك بهالة من الغموض فيعجز عن استبيان الطريق الصحيح.