تأملات حول النفس والروح
بقلم: علي بر
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وبعد؛
كثيرا ما دارت أسئلة حول النفس والروح، ومعنى كل منهما، وهل النفس هي الروح نفسها؟
وما الفرق بين النفس والروح؟
يعرف الإسلام الروح على أنها أعظم مخلوقات الله عز وجل، وأكثرها أهمية، وقد ذكرت في القرآن في العديد من المواضع بألفاظ مشتركة، منها ما أريد بها جبريل عليه السلام، بقوله تعالى : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَمِينُ} [الشعراء، آية193].
وأريد بها الشريعة الإسلامية، {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنَ اَمْرِنَا}. [الشورى، آية 52].
وأريد بها قدرة الله ومشيئته، {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}، [ الحجر، الآية 29].
وأريد بها سر الحياة، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنَ اَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، [الإسراء، الآية 85].
وأريد بها إدراك الإنسان صلته بالله سبحانه وتعالى، أي كون الأشياء مخلوقة لخالق خلقها، هي صلة المخلوق بالخالق، وأن الروح هي إدراك هذه الصلة.
فالروح هي الجوهر المكنون والطاقة الخفية التي تمكن الإنسان من إدراك صلته بربه.
وأما فيما يتعلق بالنفس الإنسانية، فالنفس هي غير الروح، وهما شيئان متغايران، لأن النفس هي التي بها العقل والتمييز، وأما الروح فهي التي بها التنفس والتحرك.
ونجد أن هناك آيات قرآنية تميز بوضوح بين خصائص الروح والنفس، ومن ذلك قوله تعالى : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدَ اَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [الشمس، الآية 7،8،9، 10.
وقال تعالى : { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ اِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [يوسف، الآية 53].
وقال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } [المدثر، الآية 38].
وقال تعالى : {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهوَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء، الآية 79]
وفي هذا الموضوع أي الفارق بين الروح والنفس يقول ابن عباس رضي الله عنه : ” يوجد في بني آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز، والروح التي بها التنفس والتحرك، فإذا نام الإنسان قبض الله سبحانه نفسه ولم يقبض روحه، وإذا مات قبض الله سبحانه نفسه وروحه. [تفسير القرطبي]، يقول الله تعالى : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الزمر، الآية 42].
وقد أجاب الشيخ الشعرواي – رحمه الله – على سؤال حول الفرق بين الروح النفس، فقال : ” الروح في الغالب تطلق على ما به الحياة، سواء كان ذلك حسا أو معنى، وأما النفس فتطلق على ما تطلق عليه الروح كثيرا، وقد تطلق على الإنسان نفسه”.
فالنفس هي الذات الإنسانية التي تحيا وتموت، وهي التي نزكيها ونصونها عن المغريات والشهوات الدنيئة التي تجر بذات الإنسان إلى المعصية والسوء، وهي التي تكلف وتعذب وتنعم، وتُخيّر بين الطاعة والمعصية.
وأما الروح فهي الطاقة الخفية التي تبعث الحياة في الشيء سواء حسا أو معنى.
ويمكن القول بأن الروح تابعة للنفس، فإن كانت النفس بدون نظام يؤطرها ويحفظها أو بنظام من عند غير الله، وغير منضبطة بأوامر الله ونواهيه تقف عند حدود الماديات المنحطة، وتؤدي بالإنسان إلى الشقاء.
وبهذا تكون الروحانيات هي الأعمال المادية المتعلقة بأوامر الله ونواهيه التي تسمو بالنفس الإنسانية إلى إدراك صلتها بالله.
وما دمنا مؤمنين بقدرة الله وعظمته في خلقه، وبعيدا عن كل التفصيلات المتفرعة عن الروح والنفس، فإننا معنيون بتهذيب أنفسنا وتزكيتها حتى تصبح نفوسا طاهرة تقترب من الله وإلى الله، لا تأمر بسوء ولا تلهث وراء الغرائز، نفوسا منفتحة على كل ما يعرفها بالله وسلوك يسمو بالحياة ويحلق بها فوق لغة الحسابات المادية التي أضحت ترهق كاهل واقعنا.
والله أعلم …
المراجع:
– القرآن الكريم.
– الصوفية في نظر الإسلام ، سميح عاطف الزين.
– ألف سؤال وجواب، الشيخ محمد الشعراوي.
– تفسير القرطبي.
من أهم ما ينبغي للمراء معرفته هذه العلاقة بين الروح والنفس من أجل الرقي بها إلى باريها فالتزكية هي من اهم المقاصد التي خلق له العبد للتحقيقها.