الإيمان والإلحاد: في عصرنا وفي كل زمن
بقلم: محمد زاوي
في تاريخ الصراع الطبقي وحده، يخدم الإيمان (نوع من الإيمان) والإلحاد (نوع منه) مصلحة نفس الطّرف. فكيف يحدث ذلك؟ كيف يحدث يا ترى في زمن الرأسمال؟ يحدث ذلك بأن تتبنى كل فئة “الإيمان” و”الإلحاد” اللذين يخدمانها، فتشجع الإيمان بالتأويل الذي يخفي استعبادها أو استقطاعها أو استغلالها، وتواجه الإيمان بالتأويل الذي يفضحها جميعا (وهذا هو إلحادها). وكما أن للمسيطِرين في كل نظام اجتماعي “إيمان” و”إلحاد”، فإن الرأسمالية:
– “إيمان” موضوعه: التعويض عن ظلم عالم الشهادة بعالم الغيب، نسبة كل استغلال تتسبب فيه أيدي الرأسماليين لربّ العالمين، جعل تاريخ النبوات مقتصرا على “معركة الإخبار بالغيب”، انتظار قيام “الساعة” في خضمّ الصراع الاجتماعي والسياسي المحتدم، الرضا بالفقر والفاقة لأنهما “قدر وقضاء من الله”… إلخ. هذا هو “الإيمان” الذي ستخدمه “الرأسمالية” أكثر ممّا سيخدمه أصحابه.
– و”إلحاد” موضوعه: إظهار عالم الغيب على النقيض من عالم الشهادة (فإما إيمان ونسيان للشهادة في الغيب، وإما إلحاد بتفسير عالم الشهادة والبحث عن قوانينه)، الاحتجاج على الله بما كسبت أيدي الناس، الكفر بالأنبياء لأنهم خرافيون مشعوذون لا عقل لهم ولا تاريخ، الاحتجاج على “عقيدة اليوم الآخر” بحجة أنها تحرم الإنسان من “رفاهية العيش” (والحقيقة أننا نطلب اشتراكية العيش قبل رفاهيته، بل هذه تتحقق بالأول، ولا يتعارض ذلك مع إيماننا باليوم الآخر إذا أحسنّا التأويل والاستثمار)، الاحتجاج على الله بالفقر والفاقة ولعن عقيدة “القدر والقضاء” بدل العمل على تغيير “ما يمكن تغييره ودفعه منهما”… إلخ. هذا هو “الإلحاد” الذي تفرح الرأسمالية بتخبط وفوضى معتنقيه.
******
فلنكن حذرين إذن، فلنكن حذرين بعدما اكتشفنا لعب الرأسمالية على الوترين معا: “الإيمان” و”الإلحاد”. فبسبب عدم اعتبار ما ذُكِر أعلاه، يعتقد بعض الشباب أن إشكالياتهم الذاتية هي منتهى العالم. فيلحدون ويخدمون الرأسمالية، دون أن يعوا ذلك. أو يؤمنون ويخدمونها، دون أن يعوا ذلك. والحقيقة، أنّ الرأسمالية تواجَه ب”إيمانين”: “إيمان” ينزع “القناع الديني” عن جرائمها ويرجع “العدل المطلق” لصاحبه (=الله) حتى يتسنى للناس البحث عن نظيره “النسبي” في شروطهم الخاصة، و”إيمان” يواجه “إلحادها” ويعتبر التحرر منها من علاماته ومقاصده.
******
إن أوّل ما يبدأ به الحذر، في قضيتي “الإيمان” و”الإلحاد”، هو تحديد:
– إشكاليتي الإيمان الصحيحتين: في كل زمن، وفي عصرنا هذا.
– إشكاليتي الإيمان الخاطئتين: في كل زمن، وفي عصرنا هذا.
– إشكاليتي الإلحاد الصحيحتين: في كل زمن، وفي عصرنا هذا.
– إشكاليتي الإلحاد الخاطئتين: في كل زمن، وفي عصرنا هذا.
وهو ما حدّدناه كما يلي:
******
إشكاليتا الإيمان في كل زمن:
الإشكالية الخاطئة: كيف يكون العقل المحض دليلا على الإيمان؟
الإشكالية الصحيحة: كيف يكون الإيمان: حافظا للعقل، مطمئنا للنفس، تقدميا في التاريخ، مساهما في حل مشاكل الحياة الخاصة والعامة… إلخ؟
******
إشكاليتا الإيمان في عصرنا:
الإشكالية الخاطئة: كيف يكون عقل “الرأسمال” دليلا على الإيمان؟
الإشكالية الصحيحة: كيف يكون الإيمان وسيلة من وسائل مواجهة الرأسمالية وأعلى مراحلها الإمبريالية؟
******
إشكاليتا الإلحاد في كل زمن:
الإشكالية الخاطئة: كيف يكون العقل المحض رافضا للإلحاد؟
الإشكالية الصحيحة: كيف يكون الإلحاد: مضيعا للعقل، مسببا لاضطراب النفس، رجعيا في التاريخ، مفاقما لمشاكل الحياة الخاصة والعامة… إلخ؟
******
إشكاليتا الإلحاد في عصرنا:
الإشكالية الخاطئة: كيف نواجه الإلحاد بعقل “الرأسمال”؟
الإشكالية الصحيحة: كيف نواجه الرأسمالية والإمبريالية بمواجهة الإلحاد؟
******
“الملحِد” و”مَن يواجِه الإلحاد”، كلاهما في حاجة إلى مراجعة إشكالياتهما. ومن دون هذه المراجعة، فلن نجني إلا: مزيدا من “إلحاد الرأسمالية”، ومزيدا من “مواجهته بإيمان الرأسمالية نفسها”. وحسبنا في هذه المقالة أن حدّدنا الإشكاليات التي لا بد أن يناقَش الإلحاد على ضوئها، في كل زمن وفي عصرنا، ولنترك تفصيلها إلى مقالات أخرى.