إفشاء السلام:
مفتاح الحب في الله وخطوة في طريق الجنة
بقلم: حسن بوجعادة
الجنة هي أسمى غاية وأجل أمنية يضعها المؤمن صوب عينيه ويعتبرها سقف طموحاته.
إنها نهاية طريق يروم التغيير والإصلاح ويقوم على السعي إلى العمل الصالح واتخاذ المبادرات الإيجابية.
وبما أن الإسلام لا يحقر من المعروف شيئا فإن كلمة طيبة يتلفظ بها المؤمن ويكون لها عظيم الأثر على المجتمع يمكن أن تكون بداية السير في هذا الطريق.
لنتصور المجتمع وقد مات فيه الحب وحلت محله البغضاء والشحناء وتدابر الناس، وأصبحت الأنانية هي شعار هذا المجتمع المنحل.
فانقطعت صلة الرحم وتفككت الروابط الأسرية، وتفشت الأمراض القلبية كالحسد والحقد وصارت الغيبة والنميمة والقذف عادات منتشرة في المجتمع قل من يخالفها.
فمن أين نبدأ لتغيير هذا المجتمع؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” (صحيح مسلم 1/53).
إن هذا الحديث يجعل الجنة، التي تمثل السعادة الحقيقية، غاية لذوي الهمم العالية، ويجعل إفشاء السلام الكلمة الطيبة التي يمكن أن يستهين بها المؤمن أو يتغاضى عنها الخطوة الأولى للوصول إلى تلك الأمنية.
فالبداية تكون عندما يصبح إفشاء السلام هو اللغة التي يتحدث بها الناس، وشيئا فشيئا تزول الأحقاد ويذهب الحقد والغل إلى غير رجعة.
ثم تنمو شجرة الحب في القلوب وتكبر وتترعرع، فيستظل المؤمنون بظلالها ويأكلون من ثمارها، فيصبح الحب في الله هو شعارهم.
إن الإسلام عندما يقرر مبدأ يربطه بالعمل الجاد والمبادرات الإيجابية.
لذلك فالحب في الله ليس كلمة جوفاء ترددها الألسن في لحظة حماس وهيجان، وإنما الحب عطاء وتضحية.
الحب في الله مشاعر صادقة تدفع صاحبها إلى احترام الجار وتوقيره وتفقد أحواله.
الحب في الله يدفع المحب إلى إغاثة الملهوف وتفريج كربة المكروب وقضاء حوائج الناس.
الحب في الله يجعل المحب يدفن أنانيته في التراب ويتحلى بخلق الإيثار.
المحب في الله يجعل من حبه بلسما للقلوب المكلومة ومرهما للنفوس الجريحة.
المحب في الله تشبه بأهل الجنة في نقاء سريرته وطهارة قلبه وتنزهه عن كل الأدواء القلبية، فكانت علاقته بالمؤمنين في الدنيا علاقة أخوة كعلاقته بهم في الجنة، فكان ممن قال فيهم الله عز وجل: “ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين” (الحجر 47)
وفي قصة الرجل الأنصاري الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ثلاث مرات عبرة لكل من يريد أن يطهر قلبه ويجعله منبعا للحب في الله، فيدفعه ذلك للعفو والصفح.
ولا يتبوأ هذه المنزلة وينال هذه البشرى إلا من جعل إفشاء السلام هي اللغة التي يتواصل بها مع الناس فيحسن الظن بهم ويستر عيوبهم ويتغاضى عن زلاتهم ويمسك لسانه عنهم.
الآن يمكنك أن تستعين بالله وتتحرى الصدق والإخلاص فتبدأ في تغيير المجتمع الذي يحيط بك.
افتح قلبك على مصراعيه وادع كل المؤمنين كي يدخلوا إليه، لا تفرق بين غني وفقير أو بين متق وعاص، أو بين صغير وكبير… اجعل الدعوة عامة.
سافر بقلبك إلى كل الأماكن، وقابل كل الأشخاص، ثم اجعل هذه الكلمة هي اللغة التي تتحدث بها مع الجميع، دون مراعاة لأوضاعهم المادية والاجتماعية أو اختلاف مستوياتهم الثقافية.
من تقابله من المؤمنين ادعه إلى مملكة قلبك، واسقه من كأس المودة والأخوة، ثم اجعله يدخل تحت لواء هذه الكلمة.
وتذكر دائما وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف” وذلك خير الإسلام (البخاري 1/12).
وأنت تطوف بين الناس وتقابل شخصيات مختلفة وتتعرف إلى فئات عريضة من المجتمع تشعر أنك تزيل أشواك التنافر والتباغض من طريقهم، وتطفئ نار الحقد من قلوبهم وتدعوهم كي يعتصموا بحبل الله المتين، وليمضوا بخطوات ثابتة نحو غايتهم العظيمة وهي الجنة.