نافذة تطوير البحث العلمي في الجامعات العربية
بقلم: فادي محمد الدحدوح
إن البحث العلمي يشهد مرحلة غير مسبوقة من التغيير المتنامي، حيث أصبح من الصعوبة بمكان التنبؤ بالمستقبل، وأضحى التخطيط الاستراتيجي هو الوسيلة الفعالة للاستقامة والمحافظة على الحركة في الاتجاه الصحيح، إذ أنه عملية مستمرة يستطيع التعليم العالي من خلاله أن يحافظ على اتجاه تطوره في المستقبل، وذلك بإجراء التغييرات التي تتلاءم مع التحولات السريعة في البيئتين الداخلية والخارجية له، كما أن فكرة التخطيط الاستراتيجي للبحث العلمي ليست بالأمر اليسير، ولاسيما في ظل تعاظم الأزمات والكوارث وما يحدث حالياً من أزمة جائحة كورونا في عالمنا العربي والعالمي خير دليل، وتسارع التحديات في مؤسسات التعليم العالي كالعولمة وثورة المعلومات والاتصالات والثورة المعرفية، واستجابة إلى التحديات الطارئة مثل نقص الدعم المالي، والتقدم التقني السريع، وقدم البرامج الأكاديمية المقدمة في الجامعات، اتجهت العديد من الجامعات لاستخدام التخطيط الاستراتيجي لتحقيق التغيرات الاستراتيجية المفيدة للتوافق والتكيف مع البيئة المتغيرة بشكل سريع.
التخطيط الاستراتيجي للبحث العلمي هو نافذة تطوير البحث العلمي، وأداة الرؤية الاستراتيجية ووسيلتها الأساسية، فضلاً عن دوره في نمو الثقافة والحضارة بشكل عام، لذلك تلجأ المؤسسات إليه، للبحث عن إرشادات وحلول لما يواجهها من مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتخطيط البحث العلمي عبارة عن عملية عقلانية وعمل موجه يراعي الإمكانات المتاحة، ويجب أن يتم وفق منظومة تحليل الوضع الحالي لكل جامعة، ليسهم كل ذلك في تحسين الكفاءة الداخلية للجامعة، وتحقيق جودة مخرجاتها، وبناء بيئة جاذبة للكفاءات المتميزة، وتحقيق متطلبات التقويم والاعتماد الأكاديمي على المستويين المحلي والعالمي، وتعزيز الشراكة بين الجامعات وقطاعات المجتمع المختلفة، وانطلاقا من ذلك يجب أن تتبنى الجامعات العربية مشروع التخطيط الاستراتيجي لتطوير البحث العلمي لترسم من خلاله خارطة طريقها المستقبلي بما يحقق أهداف الريادة العالمية للعملية التعليمية والبحث العلمي وخدمة المجتمع بالشكل الذي يجعلها في طليعة الجامعات العالمية المتميزة.
وقد تزايدت الحاجة إلى التخطيط الاستراتيجي للبحث العلمي نتيجة ما تشهده الجامعات من عمليات تطوير وتحديث، وما تواجهه من مشكلات وتحديات ترتبط بعدة محاور أولها البحث العلمي والذي يعاني من نقص المعرفة اللازمة، وغياب التعاون العلمي بين الجامعات على المستوى المحلي والدولي، وثانيها عملية التدريس؛ حيث تعاني من نمطية المقررات الدراسية، واستخدام طرق التدريس التقليدية، وثالثها خدمة المجتمع؛ حيث يعاني من ضعف الترابط بين البحوث التي تقوم بها أعضاء هيئة التدريس وخطط التنمية، والانفصال الواضح بين كليات الجامعات وكثير من مؤسسات المجتمع.
إن تبني استراتيجية التخطيط للبحث العلمي في الجامعات العربية بشكل متكامل، والعمل وفق أسلوب إداري حديث يؤسس للجامعات التأقلم مع البيئة الداخلية والخارجية بأعلى معايير التميز والمنافسة والجودة هو أحد أهم المطالب للمرحلة الحالية والقادمة، لتقف الجامعات ومراكز البحث العلمي مع كافة القطاعات على رؤية عمل مشتركة تؤسس للصمود والتحدي والبقاء، كما إن إعداد برنامج تطوير نظم البحث العلمي بالجامعات العربية من خلال دراسة المشكلات القائمة وإيجاد الحلول المثلى لها، وإيجاد المؤشرات الكمية والكيفية التي يمكن أن ترشدنا إلى تحليل نظام البحث العلمي القائم حيث تمثل المعايير والمؤشرات النواة الأساسية التي يتم من خلالها تحليل النظام بمختلف عناصره ومكوناته التي تشمل المدخلات والعمليات والمخرجات والبيئة، ومن ثم إيجاد الحلول بالنسبة لما ينبغي أن يكون عليه التعلم لكي يتميز بالفاعلية والكفاءة.
اذا جامعاتنا العربية بحاجة للسير بخطى واضحة لتطوير وتحديث بنيتها للبحث العلمي بشكل متكامل، وذلك من خلال نقل وتوطين التقنيات الإلكترونية، وإنشاء المختبرات وتجهيزها بالأجهزة الحديثة والأدوات والمواد والمستلزمات، والاهتمام بالمكتبات وقواعد البيانات الحديثة وجهوزية التعامل مع أي أزمات قد تمنع العملية التعليمية وتعرقلها في أوقات الطوارئ، وفي خضم هذه العملية يتم تطوير رأس المال الإبداعي في جامعاتنا من خلال اكتشاف ورعاية وتمكين المبدعين من الباحثين، والاستفادة منهم في المواقع المختلفة، والعمل على تعزيز التعاون والشراكة المحلية والدولية فيما يخدم “تطوير الدراسات العليا، مع التركيز على الجوانب الفكرية والإبداعية والمهارية في المناهج التعليمية، وتفعيل نظم الإشراف المشترك واتفاقيات التعاون مع الجامعات العالمية، والحرص على الجدية في الإشراف و في تحكيم الرسائل العلمية، مع التعويض المادي الملائم للدارسين وهيئة الإشراف والتحكيم.