بقلم: أحمد الحجوي
إنه لمن المناظر الكريهة رؤية طفل غضبان يصخب ويدبدب ويتدحرج على الأرض كأنه مجنون مصروع، ومن أشد ما يؤلم؛ مشاهدةُ الولد وقد ثار ثائر جنونه أثناء انصراف ذويه إلى ضيوفهم واحتفائهم بأصدقائهم وزائريهم.
ومتى أصبحت نوباتُ الغضب عادة في الولد، أو متى لاحظ أن في استطاعته أن ينال ما يريد ويتمنى؛ بسلوكه هذا المسلك الشاذ، فلا تعجب إذا رأيته يتظاهر بالغضب والغيظ كل مرة يعن له خاطر يروم أن يحققه، فقد أفهمه الاختبار أن الغضب من أسهل الوسائل للفوز بما يطلب ويروم .
اعتاد علماء النفس أن ينسبوا الغضب إلى العناد والإصرار، أو إلى سرعة الإحساس وشدة الانفعال، ويقولون أنه أسرع انفجارا في الولد منه في الرجل، على أنه يجب ألا يغرب عن الذهن أن مظاهر الغضب تختلف باختلاف الخلائق والغرائز، وبتغاير ما يرثه الولد من ثورات عصبية أو فورات عاطفية.
والغضب المزمن في الولد يمكن أن يعتبر مرضا يجب الانتباه له ومعالجته معالجة العلل والأدواء، ويهم جدا ألا يبرح عن البال أن بعض العوامل الخارجة عن الولد توجد فيه في الغالب أرضا خصبة لثوران الغضب؛ فإن انقياد الوالدين أو الإخوة أو الأخوات لهذه الظاهرة المؤلمة يؤثر في مزاج الولد أسوأ تأثير، ويعده لمثل هذه النوبات الظاهرة المؤلمة، لأن له وقعا عظيما يفضي إلى سرعة الاستسلام وإلى النزق والحدة.
ثم إنه لا شيء يؤذي الولد ويُعَوّده النزق والغضب مثل الإفراط في مراعاته، والإكثار من الالتفات إليه والعناية به؛ لأنه يتوهم حينئذ أنه محور كل أمر، وواسطة كل عقد، ويبدأ يطلب من ذويه ما تساهلوا معه فيه مرة واحدة طلبه لحق شرعي؛ فينتهي به الأمر إلى أن يفقد بسرعة وسهولة كل سيادة على نفسه.
والولد مهما كان صغيرا لا يخلو من بعض الإدراك والانتباه؛ فمتى لاحظ أنه نال ما أراد بالغضب والاحتدام؛ استعان عفوا بالحدة والنزق على تنفيذ أكثر نزواته غرابة، وإرضاء أشد أهوائه انحرافا وشذوذا.
ولذا كان من أقدس واجب الوالدين أن يجتهدوا في محاربة هذه الظواهر منذ أول نشأتها؛ تفاديا من أن يتعذر عليهم النجاح في تربية الطفل وتقويم ما اعوج من أخلاقه، وانحرف عن أمياله.
وأول ما يتبادر إلى ذهن الوالدين للحلول دون تكرار انقياد الولد للغيظ والغضب؛ هو معاقبته عقوبة شديدة مثل الضرب أو غيره.
ولا شيء يؤذي الطفل مثل هذه العقوبة؛ وإذا كان لها من فائدة فهي سطحية موقتة ، لا يرجى منها نفع ثابت؛ لأن كل ضغط داخلي يفضي عاجلا أو آجلا الى الثورة والانفجار، ومتی أوقف المجرى الطبيعي لهذا التوتر ، احتدم الغضب ، وفتح المجال لتوقد غضب أشد وأقوى ، ومهد السبيل – وهو يحدث كثيرا في الأطفال- إلى انتقام وعناد کبیر.
والولد متی احتدم غضبه فجأة؛ ترتب أخذه بالهدوء والسكينة، ووجب على ذويه أن يتجاهلوا جهد استطاعتهم غضبه، محاولین تلهيته، ومتى تظاهروا بعدم اكتراثهم لغضب الطفل؛ زال في الغالب عفوا وبدون عناء.
وإذا أخفقت هذه الوسيلة، فلم تأت بالفائدة المرغوبة؛ فلا أقل من أن يترك الطفلَ وشأنه، وحذار من أن يوجهوا إليه التهديد والتعنيف وهو تحت تأثير الغضب، ومتى استعاد تفكيره، واسترجع هدوءه ورشده؛ عاد إليه ذووه بكلمات طيبة وبراهين سديدة مظهرين له شناعة الاستسلام الى الغضب، وشناعة ما يبدي الغضوب أثناء انقياده للغضب من مظاهر ينفر المرء منها ويشمئز .
وليذكروا له أيضا أن الكثيرين، بتعودهم الغضب، جروا على أنفسهم وعلى ذويهم الشقاء والوبال وأبعدوا عنهم كل عطف ووداد ، وخسروا كل اعتبار…
إلى غير ذلك مما يُبَغِّض إليه هذه الظاهرة ويحذره من العودة إليها.
والعواطف الدينية هي خير وسيلة لشفاء الطفل من هذا المرض؛ فمن المفيد جدا لفت انتباهه إلى أن الله عظم شأنه وجلت قدرته؛ يرى ما يأتيه الغضوب في غضبه، ويمقت هذه الظاهرة القبيحة ولا يترك صاحبها بدون قصاص، فهذه العواطف تؤثر في الطفل وتأتي عاجلا أو آجلا بأطيب النتائج.
فتربية الولد الغضوب جزء من تربية الإرادة والأخلاق؛ فإذا كانت هاتان القوتان: الإرادة والأخلاق غير مثقفين تثقيفا كافيا؛ كان استعداد الولد للحياة رديئاً سيئاً، وترتب على ذويه أن يبذلوا قصارى جهودهم لتقوية إرادته، وتهذيب أخلاقه، وتقويم ميوله .
ومن المحقق أن الطفل السريع الغضب، ليس أكثر الأطفال رداءة؛ لأن أخلاقه يمكن إصلاحها وتهذيبها بأكثر سهولة من إصلاح وتهذيب أخلاق الولد الصفراوي المزاج، الخائر العزيمة، الضعيف الإرادة.
وأفضل ما يجب على المربي أن يهتم به؛ تدريب الطفل على ضبط غضبه وقمع ميوله، ليجعل مكان ذلك إرادة قوية متينة هي أساس كل نجاح وهناء في الحياة.