الوسائل العشر لاستغلال رمضان
بقلم: حسن بوجعادة
تقديم :
الوقت هو رأس مال المؤمن وبضاعته التي ينبغي عليه أن يحسن ترويجها كي تكبر تجارته ويزداد ربحه.
والمغبونون هم الذين لا يدركون قيمة البضاعة التي بين أيديهم فيبذرونها يمينا وشمالا ، فيمسون ويصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس :الصحة والفراغ)(صحيح البخاري 8/6412)
ورمضان هو بضاعة نفيسة ووقت ثمين ،لأنه يمتاز بفضائل وخصائص تفتقدها الشهور الأخرى.
وحتى لا تذب الغفلة إلى القلوب وتصاب النفوس بالفتور وتخور العزائم؛ نقترح بعض الوسائل التي يمكن للمؤمن أن يسترشد بها لاستغلال رمضان.
وبقدر ما يكون الجهد كبيرا تكون الثمار المرجوة كثيرة فمن زاد فالله جواد كريم وهو الواهب المنان :
الوسيلة الأولى : جدد حياتك بالتوبة
المعصية سلوك شاذ ، مخالف للفطرة ، توقع صاحبها في الشقاء والنكد وتجر عليه المصائب والمحن ، لذلك تجد صاحب المعصية حزينا ، كئيبا ذا نفسية مضطربة ، مشتت الذهن .
هو مريض قد خارت قواه ، وأصيب بحمى الخطيئة .
هو مقطوع قد ناءت به الذنوب وغربته المعاصي وبقي وحيدا في صحراء الإثم لا زاد ولا راحلة.
فتكون التوبة هي العلاج الذي يعيد إليك عافيتك إذا أنهكتك الذنوب وأودت بجسمك المعاصي وتفاقمت حالتك.
فبالتوبة تسكن نفسك ويطمئن قلبك وتجدد حياتك
قال عبد الرحمن النحلاوي :” وقد ثبت لدى علماء النفس والطب النفسي أو الصحة النفسية أن التوبة تشفي كثيرا من الأزمات والأمراض النفسية لأنها تعين على إعادة تكييف الإنسان مع نفسه ومع مبادئه ومثله الأعلى ومع مجتمعه القائم على مثله الأعلى الذي هو عبادة الله في النظام الإسلامي ومراقبته ، كما أنها تربي المجتمع على التسامح بين أ فراده “.
وشروط التوبة التي أشار إليها العلماء أشبه بالوصفات التي يحرص المريض على الالتزام بها حتى تعود إليه عافيته :
الوصفة الأولى : الندم والاعتراف بالذنب.
المريض يمقت مرضه لأنه يقاسي حره وآلامه ، لذلك فهو يتوق إلى العافية ، وهو نادم على الأفعال التي صدرت منه فكانت سببا في مرضه هذا .
والندم نقطة تحول في حياة العاصي وجدار بين حياة مدنسة بالذنوب قد كرهها واشمأز منها وبين حياة مشرقة بالطاعة منيرة بالخيرات يتوق إليها.
الوصفة الثانية :الإقلاع عن الذنب
إن لم يكف المريض عن تناول الأطعمة المسببة للأمراض فإن الدواء الذي يستعمله لن يفيده في شيء لذلك لا بد للمريض أن يلتزم بالحمية قبل تناول الدواء .
وإقلاعك عن الذنوب هو الحمية التي ينبغي أن تتبعها إن أنت أردت أن تعالج نفسك مما أنت فيه .
الوصفة الثالثة :العزم على عدم الرجوع إلى الذنب.
إن الجرعة التي ستأخذها في هذه المرة قد لا تستسيغها نفسك الطامحة إلى الشهوات ، لكنها نافعة لمرضك هذا .
فإذا تحليت بالصبر وجاهدت نفسك وعودتها على أخذ هذه الجرعة وداومت عليها تكون قد تجاوزت أهم مرحلة من مراحل العلاج.
الوسيلة الثانية : الصلاة الخاشعة هي سبيل الفلاح
الصلاة هي عبارة عن أفعال وأقوال معلومة تفتتح بالتكبير وتختم بالتسليم مع استحضار النية .
لكن حقيقة الصلاة تدل على أن المصلي يقف بين يدي الله عز وجل ، ويركع تعظيما له ، ويسجد تواضعا له فتتجلى مظاهر العبودية في كل حركة يقوم بها.
فبالوقوف في الصلاة يتربى المؤمن على الامتثال لأمر الله ، وبالركوع يتعلم الخضوع لله ، وبالسجود يوطن نفسه على التذلل لله.
ولا يمكن للمصلى أن يعيش هذه اللحظات التي تتحقق فيها مظاهر العبودية وتتجلى فيها معاني الخضوع والتذلل للخالق إلا إذا جاهد نفسه فصلى صلاة خاشعة .
وإذا كان من ثمرات الصلاة الخاشعة الفلاح والفوز الذي أشارت إليه الآية الكريمة: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون )(المؤمنون 1) فإن الصلاة الخاشعة هي غاية لايمكن أن يصل إليها إلا من كانت لديه رغبة وإصرار وحرص على ذلك .
الوسيلة الثالثة : اجعل القرآن رفيقك
القرآن هو كلام الله عز وجل لفظا ومعنى ، نزل به الروح الأمين على محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين ، معجز في لفظه ومعناه ، متعبد بتلاوته ، منقول بالتواتر ، محفوظ بإرادة الله وقدرته من التبديل والتحريف على مدى الأزمان .
إذا كنت بقراءة سائر الكتب تشعر بمتعة ولذة تنسيك هموم الحياة وتهذب ذوقك وتنمي فكرك ، وتكد فيها من تجارب وأفكار مؤلفيها ما يفيدك في حياتك ، إلا أنك ستجد في كتاب الله ما ينظم حياتك وييسر أمورك ويوجهك إلى الطريق الصحيح .
ستجد فيه بيانا شافيا عن سبب وجودك في هذه الحياة ، ومنهجك الذي ينبغي ان تسير عليه .
ستجد فيه تفصيلا عن مصيرك بعد مماتك .
في القرآن بداية حياة لمن مات قلبه .
في القرآن النور الذي يضيء طريق كل من حجبت غيوم المعاصي والآثام دربه ، فتفرقت به السبل وصار أضل الناس.
كل تلك الحقائق والمعاني وغيرها من النفائس التي تستقر في قاع هذا البحر الذي يمتد بلا شطآن .
فاجعل القرآن رفيقك وصاحبك المخلص وصديقك الأمين ، لاتهجره ، تحرى الخشوع وأنت تقرأ الآيات .
تدبر الآيات وقف عند معانيها ومقاصدها .
استعن بكتب التفسير لفهم الكلمات والآيات التي يتعذر عليك فهمها.
الوسيلة الرابعة : لا تترك رياض الذكر
الذكر هو أفضل الأعمال وأزكاها عند الله وارفعها في درجات المؤمن.
والذكر هو تسبيح أو تهليل او تحميد أو تكبير .
لو وقفت عند ذكر من الأذكار المشروعة لوجدت أنها تتضمن أسمى العبادات وأرقاها.
يذكر المؤمن ربه مسبحا أو مهللا أو أو حامدا او مكبرا فتتجلى في ذكره الحقائق التالية :
إقرار بوحدانية الله عز وجل وعظمته وقدرته وقدسيته.
تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به كالولد والصاحبة والشريك .
اعتراف العبد بأن الله هو الخالق المدبر لهذا الكون .
اعتراف العبد بأنه خاضع لجلال الله وسلطانه ومفتقر إليه في كل الأحوال.
تلك المعاني تجعل الذكر من أعظم العبادات ، وهنا نتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم “لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر”
وقوله ” كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن :سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ”
وأذكار أخرى ، كل ذكر منها أشبه بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، أو مثل عين جارية لا ينضب ماؤها .
الوسيلة الخامسة :تعاهد جيرانك
مكانة الجار في الإسلام يبينها قول النبي صلى الله عليه وسلم :” ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه “(البخاري 8/6015).
إذا تدبرنا الحديث فسنستخرج منه الحقائق التالية :
الموصي هو جبريل :أمين الوحي ، وأحد الملائكة المقربين .
المكلف بتنفيد الوصية محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
الموصى به هو الجار الذي يسكن قرب بيتك .
مضمون الوصية :الإحسان إلى الجار ، إكرامه ، إعانته على قضاء الحوائج ، تفريج كربته ، احترامه وتقديره ، عدم تتبع عيوبه وعوراته.
ومن آثار تنفيذ هذه الوصية في هذا الشهر الفضيل :
ترسيخ حقوق الجار في المجتمع .
توثيق أواصر المحبة والألفة بين المسلمين .
ترسيخ مبادئ التعاون والتكافل التي تميز المجتمع الإسلامي .
الوسيلة السادسة : تودد إلى اليتيم واعطف على المسكين
قال النبي صلى الله عليه وسلم :”أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ” وأشار إلى أصبعيه السبابة والوسطى (البخاري 8/6005)
وقال أيضا :”الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم بالليل الصائم بالنهار“(البخاري 7/5353)
النبي صلى الله عليه وسلم يضع أمام ذوي الهمم العالية أسمى الأهداف وأجل الغايات التي يمكن أن يطمع كل كل مؤمن في ان يصل إليها.
أن تكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
أو أن يكون من الأجر ما للمجاهد الذي اقتحم الأهوال ورمى بنفسه في ساحة الموت .
كل ذلك يتطلب منك رقة قلب تذكرك باليتيم الذي مات أبوه وخلف وحيدا في هذه الحياة .
أو رحمة بامرأة مات زوجها فلم تجد من يمد لها يد المساعدة أو مسكين لا يجد ما يلبي حاجته.
هي مبادرة منك في هذا الشهر تدخل الفرح إلى قلوب هؤلاء وتمسح عن وجوههم التعاسة والبؤس
وتكون سعيدا بسعادتهم .
الوسيلة السابعة :التفكر باعث الصحوة واليقظة
التفكر هو منبع اليقظة ، إذا ارتوى منه القلب الغافل شفي من مرض الضلال والتيه ،حينها يستطيع أن يتلمس طريقه إلى الله عز وجل مسترشدا بآياته في كل مكان .
وبالتفكر تنجلي سحب الغفلة عن حقائق لا يدركها إلا من لزم هذه العبادة وتفكر في كثير من الأمور:
التفكر في خلق الإنسان وتكوينه: ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون )(الذاريات 21).
التفكر في الغاية من وجود الإنسان (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون )المومنون 115.
التفكر في حقيقة الدنيا: (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الأخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ) العنكبوت 64.
التفكر في الموت : (إنك ميت وإنهم ميتون )الزمر 30.
التفكر في عظمة الخلق: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) لقمان 11.
وبالتفكر في جميع هذه الأشياء يتكسر جدار التكبر وتستكين النفس الأمارة بالسوء المتسربلة بلباس العجب ، وهذا دافع إلى التغيير والإصلاح .
الوسيلة الثامنة : الاستغفار دواء لكل داء
إن العقبات التي تعترض طريق المؤمن في هذه الحياة والمصائب التي يواجهها هي أمور تكدر صفو الحياة، والتي تنغص عليه لذة العيش، هي نتيجة حتمية للذنوب والمعاصي التي يرتكبها ، قال تعالى 🙁وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )(الشورى 30)
والاستغفار دواء فعال ضد المصائب والآفات ووسيلة ناجعة للحصول على كثير من المنافع والمكتسبات، والاستغفار اعتراف من العبد بخطأ أو تقصير في حق خالق وربه .
الاستغفار حد فاصل بين المعصية والطاعة، ولحظة توبة وإنابة، وتعبير صادق على العزم على هجران المعاصي، لذلك كان الاستغفار سلاحا يربك خطة إبليس وأتباعه ويفسد عليهم حيلهم وأساليبهم الشيطانية ويردهم خائبين خاسرين.
الوسيلة التاسعة : تسلح بالدعاء
الله عز وجل هو الخالق المدبر لهذا الكون …وأنت العبد الذليل الخاضع لجلاله وسلطانه.
الله تعالى هو الغني الذي لا تنفذ خزائنه ، وأنت العبد الفقير إليه في كل الأحوال .
وإذا تأملت فقرك وضعفك ، وعجزك الدائم في تسيير شؤون حياتك بنفسك لوجدت أن لجوءك إلى الله، وتفويضك الأمر إليه ودعاءك إياه كي يصلح شأنك كله هو الأنسب لحالتك ووضعيتك .
فإن تلجأ إلى الله وتطلب منه العون تكن وصلت إلى أعلى مراتب العبادات وأشرفها ألا وهي الدعاء قال النبي صلى الله عليه وسلم 🙁الدعاء هو العبادة )(الترمذي 5/ 2969)
فالدعاء هو سلاحك الذي يجعلك تعيش في ملاذ آمن ، تحتمي بخالقك وتستجير به عند الشدائد والأزمات.
الوسيلة العاشرة : تمتين العلاقات الأسرية
الأسرة المسلمة بنيان يشد بعضها بعضا.
كل عضو فيها هو لبنة أساسية في هذا البنيان ، وضعف أي لبنة او زوالها يمكن أن يؤدي إلى تصدع البناء أو انهياره .
وفي هذه الفترة تكون الأسرة أحوج ما يكون إلى التماسك والانسجام والتعاون بين جميع أفرادها.
وهذه بعض التوجيهات التي يمكن للأسرة المسلمة أن تسترشد بها في شهر رمضان
تقوية روابط الألفة والمحبة بين الزوجين .
مناقشة مشاكل الأسرة وحل الخلافات بين الزوجين بعيدا عن الأبناء .
الاتفاق على التعاون والتكافل بين الزوجين لتجاوز كل أزمة .
مشاركة الأطفال في بعض الألعاب المفيدة .
مساعدة الأطفال على أداء واجباتهم المدرسية .
مناقشة مستقبل الأسرة بين الزوجين .
وضع برنامج للعمل والتعاون في المستقبل .