المنهج العلمي والأسلوب الدعوي
في الرد على المسيئين للرسول صلى الله عليه وسلم
بقلم: حسن بوجعادة
هل سيكف المستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم عن هذا التصرف المشين والأسلوب المهين , أم أنهم سيجعلون ذلك قاعدة عامة يغيرون طريقة صياغتها ويحافظون على مضمونها؟
هل أدرك الغرب أننا أمة يتملكها الغضب الشديد ويحكمها الحماس الزائد الذي يقود البعض إلى تصرفات طائشة لا تمثل الإسلام لا من قريب ولا من بعيد , فعمدوا إلى أساليب جديدة في الإساءة والاستهزاء كالأفلام والرسومات والمقالات تحت مظلة حرية التعبير لا لشيء سوى لرفع مؤشر الغضب وتهييج المشاعر ؟
هل سيهتدي المسلمون إلى الأسلوب الأمثل والمنهج الأقوم للرد على هؤلاء المستهزئين أم أن أسلوب التنديد سيظل ديدنهم في الرد ؟
الواقع أننا مازلنا نتفنن في اختيار عبارات السب والشتم الذي يعتبر أسلوب من ضعفت قوته وقلت حيلته وانعدمت الحكمة لديه ولم يهتد إلى منهج يعبر من خلاله عن قوة شخصيته وبعد نظره .
ما زلنا نكتفي فقط بصياغة بيانات استنكارية تكتب بمداد من الماء سرعان ما يمحوها النسيان , وتصريحات يتم إعدادها في الكواليس .
المسلمون اليوم هم أحوج ما يكون إلى منهج علمي وأسلوب دعوي يجعل من الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أساس التربية في كل أسرة , وسبيل النجاح لدى كل مسلم والمرجع المعتمد عند المسلمين لحل خلافاتهم, فلا ينظر بعدها لأساليب الإساءة تلك سوى أنها غثاء كغثاء السيل تطفو على السطح حينا ثم سرعان ما تذهب جفاء .
لتحقيق هذه الغايات وجوابا على ما سبق من تساؤلات نقترح البرنامج التالي :
ـ إدراج مادة السيرة النبوية في المناهج التعليمية :
تنص المادة الأولى من الميثاق الوطني للتربية والتكوين ضمن المرتكزات الأساسية على ما يلي :
” يهتدي نظام التربية والتكوين بالمملكة المغربية بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها الرامية لتكوين المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح والمتسم بالاعتدال والتسامح والشغوف بطلب العلم والمعرفة في أرحب أفقهما , والمتوقد للاطلاع والإبداع والمطبوع بروح المبادرة الإيجابية والإنتاج النافع ”
يهدف الميثاق انطلاقا من العقيدة الإسلامية لتكوين المواطن الصالح الذي تتوفر فيه الصفات التالية :
ـ الاستقامة والصلاح
ـ الاتصاف بالاعتدال والتسامح
ـ الرغبة في طلب العلم والمعرفة حب الاطلاع والإبداع
ـ المبادرة الإيجابية والإنتاج النافع .
وتحقيق هذه الأهداف سيظل أمرا مستبعدا وغاية بعيدة المنال ما لم يتم اعتماد منهج فعال في التربية , وأفضل المناهج وأقربها لعقل وقلب المؤمن الذي نشأ في بيئة إسلامية : إدراج السيرة النبوية في المناهج التعليمية .
وفي تقديري المتواضع فإن تدريس السيرة النبوية بمنهج علمي وأسلوب تربوي ووفق البيداغوجيات التعليمية يمكن أن يحقق النتائج التالية :
ـ بناء شخصية سليمة متصفة بالأخلاق الفاضلة من خلال الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
ـ السيرة النبوية أيسر طريق لفهم الإسلام والسير على المنهج الأمثل لقوله تعالى : ” وإن تطيعوه تهتدوا “
ـ السيرة النبوية تربي الطفل على لزوم الجماعة والاعتزاز بها وتجنبه الانسياق وراء المذاهب الهدامة والتيارات المنحرفة
ـ السيرة ترسخ في أذهان الأطفال ضرورة المشاركة الإيجابية والعمل النافع وإيثار الغير على النفس , والمواقف التي تحث على هذه الجوانب كثيرة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ( التعاون على حفر الخندق , المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين …)
ـ إنشاء قنوات فضائية لنشر السيرة النبوية والتعريف بأخلاق الإسلام
لو تم استطلاع آراء الناس من خلال دراسة ميدانية عن الأمور التي تعلموها من القنوات الفضائية فستجد أن ثقافة الأغلبية منهم محصورة في معرفة مشاهير الفنانين والممثلين ونجوم الكرة .
وستجد لديهم اطلاعا واسعا على أسماء الأفلام والمسلسلات والفرق الرياضية وكل ما يدور في فلك هذه المجالات , وبالمقابل تجدهم يجهلون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم .
وإنشاء قنوات يقتصر دورها على دراسة السيرة النبوية وإعداد أفلام وثائقية تتحدث عن مواقفه وأخلاقه وبرامج تشرح أحاديثه , حيث يكون الغاية المنشودة من ذلك وضع النمودج الأمثل وتقديم القدوة الحسنة للجيل القادم وترسيخ الأخلاق الإسلامية وإعادة إنتاج الوعي.
إنشاء دور للطباعة والنشر :
لم يفقد الكتاب دوره إلا عند من يهمل القراءة ويضعها على هامش حياته ,أما من يجعل القراءة نافذة يطل من خلالها على الأمم الأخرى فالكتاب بالنسبة له جزء لا يتجزأ من برنامجه اليومي ونظامه الحياتي.
تحتاج الأمة اليوم أن ترفع اشعار ” اقرأ ” , ذلك الشعار الذي تلقاه سيد البشرية يوم أن كان يتعبد بغار حراء, كي تحارب داء الجهل.
وصور الجهل شتى, لكن أقبحها الجهل بسيرة وأخلاق من أرسله الله ليخرج الناس من ظلمات الكفر إلى أنوار الإيمان مسترشدا بالعلم النافع .
” اقرأ ” مشروع سيعيد الأمة إلى سابق عهدها وسالف مجدها , يوم كانت تقود الركب الحضاري
وأول خطوة لتحقيق هذا المشروع إنشاء دور للطباعة والنشر تضع نفسها رهن إشارة الباحثين والمفكرين في مجال السيرة , وتكون هي الوسيط بين بينهم وبين القراء.
إنشاء مواقع إلكترونية :
إذا كانت الجرائد الورقية قد لعبت دورا في تثقيف فئة من المجتمع وإطلاعهم على أخبار المجتمع في مختلف المجالات إلا أن وظيفتها تلك بقيت محصورة في المناطق التي يتم فيها توزيع الجرائد والمجلات.
وبظهور الحاسوب والهواتف الذكية انتشرت المواقع الإلكترونية التي وجد فيها كثير من المثقفين والباحثين والمفكرين ضالتهم حسب توجههم الثقافي وانتمائهم العقدي , لأن الأهداف التي أنشئت لأجلها تختلف باختلاف وتباين أفكار منشيئيها والعاملين عليها.
وقد يبدو إنشاء منصات إلكترونية بمعايير حديثة لنشر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والتعريف بأخلاقه غير ذي أهمية خصوصا إذا علمنا أن هناك مواقع كثيرة تعمل على نشر الشبهات وتشكيك المسلمين في دينهم وإفساد أخلاقهم, لكنها ستكون صمام أمان بالنسبة للذين يبحثون عما ينمي فكرهم ويقوي إيمانهم في ذلك العالم الافتراضي , والبديل عند كل عاقل تاب من تصفح تلك المواقع الهدامة وسعى إلى إصلاح نفسه وتقويم سلوكه.
إقامة المحاضرات والمسابقات الثقافية :
عندما يكون موضوع السيرة النبوية من المواضيع التي تشغل بال المثقف والمفكر المسلم فإنه يعمل على ترسيخ هذا الموضوع في أذهان الناس والبحث من أجل إخراجه إلى حيز التطبيق سواء عن طريق الأسرة بإعداد منظومة تربوية أو صياغة قانون للأخلاق تكون السيرة النبوية هي المرجع المعتمد في ذلك.
وعندما ينشغل المفكر المسلم بهذا الموضوع فإنه سيوظف كل الوسائل المتاحة كعقد المحاضرات وإنجاز بحوث والإعلان عن مسابقات في هذا الموضوع.
وختاما فإن الخلاصة التي يمكن أن نصل إليها استنادا إلى ما سبق تكمن في ما يلي :
ـ إدراج السيرة النبوية في العملية التعليمية من المرتكزات الأساسية لتحقيق الكفايات في التعليم والمتمثلة في تكوين المواطن الصالح الواعي بقضايا أمته والمتشبع بالقيم الإنسانية .
ـ جعل السيرة كمنهج تربوي في تقويم أخلاق المسلم في البيت وفي الشارع .
ـ جعل السيرة كمنطلق للباحث والمفكر المسلم في مشاريعه الإصلاحية .
ـ تدريس السيرة النبوية والتعريف بأخلاق صاحبها من خلال المنابر الإعلامية من الأمور التي ستساهم بشكل كبير في تكوين المسلم المعتدل بعيدا عن التطرف بشقيه : الديني والعلماني .
ـ تدريس السيرة يمكن المسلم من معرفة أساليب الجدال وأسلوب التعايش مع غير المسلمين .