منتدى إحياء للتنمية الأخلاقية والفكرية
نادي إحياء للتنمية الفكرية / 2019
مائدة مستديرة في موضوع:
اللغة: مفهومها وعلاقتها بالنفس والمجتمع
الأرضية:
الكل يتكلم عن “اللغة”، والقليل منهم يعلم معناها.
لقد بلغنا من كلام المتقدمين: “الحكم على الشيء فرع عن تصوره”.
فكيف بمن لم يتصور “اللغة” تصورا صحيحا، وكيف بمن لم يُعَرّفها كماهية أو بضدها أو بتاريخها، وكيف بمن لم يعرفها في علاقتها بالتاريخ والبيولوجيا والسيسيولوجيا والسيكولوجيا والجغرافيا… كيف بأمثال هؤلاء أن يدلوا بمواقف سديدة في مختلف القضايا المتعلقة باللغة؟
أول معركة يجب أن يخوضها مثقفونا اليوم، هي محاربة ضبابية المفاهيم واضطرابها وتشوهها.
إذن، لا بد من تحديد مفهوم اللغة كنظام داخلي، وفي علاقته بالظواهر المحيطة به والمتحكمة فيه: المجتمع، النفس، جسم الإنسان، المكان، الزمن، الدولة… كلها ظواهر تتأثر باللغة، وتؤثر فيها اللغة.
ما اللغة؟
نظرا لتعدد وظائفها في كل مجتمع مجتمع، فقد نبه الدين (الإسلام خصوصا) إلى أهميتها ومكانتها في مواضع عديدة. فقد تميز آدم وتسامى على الملائكة بأن علمه الله الأسماء كلها (اللغة، اللسان)، وقد أرسل الله كل رسول بلسان قومه ليبين لهم، وقد أعجز الله قريشا ببلاغة القرآن وقوة خطابه…
كلها معانٍ تدل على أن الدين وجه الإنسان إلى معرفة مكانة اللغة وبعض وظائفها، فهي: ملازمة للإنسانية، ووسيلة للتواصل، وبالتالي وسيلة للإقناع، وناقلة للفكر والثقافة…
لقد وجهت الحكمة (القرآن) الإنسان في الماضي، واليوم توجهه المعرفة. ولا تناقض بين التوجيهين عند من ميز بين الحكمة والمعرفة، فأعطى كل ذي حق حقه. فالمعرفة خبرة حسب كل مرحة تاريخية على حدة، والحكمة خبرة خالدة.
يعرف فردينان دي سوسير اللغة بقوله: “هي النتاج الاجتماعي المخزون في دماغ كل فرد من أفراد مجتمع ما”.
أما جوزيف ستالين، فهو لا يعتبر اللغة بناء فوقيا كما يعتبرها كثيرون. ولذلك فهو يقول: “إن اللغة تختلف اختلافا جذريا عن البناء الفوقي. فاللغة لم يفرزها هذا البناء التحتي أو ذاك، قديما كان أو جديدا، في قلب مجتمع معين. بل يفرزها كل سير تاريخ المجتمع وتاريخ الأبنية التحتية على مر العصور. فهي ليست صنع طبقة معينة، بل صنع كل المجتمع، صنع كل طبقات المجتمع، ونتاج جهود مئات الأجيال”.
اللغة، كما يتصورها ستالين، تخدم شعبا بكامله لا طبقة بعينها. وهي لغة التواصل بين الجميع، واقتصارها على فئة بعينها دون فئات أخرى –في نظره-يهددها بالزوال. (راجع دراسة لجوزيف ستالين، بعنوان: “حول الماركسية، في علم اللغة”)
وفي نظر نعوم تشومسكي، فاللغة “جزء من النمو البشري والمكلف بالتقاطها هو بعض مكونات العقل”. قبل أن يتحدث نعوم تشومسكي عن علاقة الإنسان بمحيطه الخارجي، يؤكد أن “المبادئ المحددة في تركيبة الإنسان (وهي من طبيعته) هي التي تحدد كيف يجب على اللغة أن تكون، وكيف بإمكاننا أن نتحدث ونتواصل ونفسر علامة ما أو بضعة أسطر”.
لا يقف تشومسكي عند هذا الحد، ولكنه يربط اللغة بما يحيط بها من عوامل خارجية. فاللغة -في نظره-“تتغير هيكليا ودراماتيكيا بسبب عدة عوامل (جغرافية، اقتصادية، سياسية…)، وليس بشكل عشوائي”. (من حوار لنعوم تشومسكي)
يختار عبد الصمد بلكبير تعريف اللغة بتاريخها والوقوف عند العوامل التي أنتجتها، وهو بذلك يعزز التعاريف السابقة بالتاريخ ولا يلغيها.
يقول بلكبير: “أكثر القرائن تؤكد أن رموز التواصل البشري الأول، كانت صورية لا صوتية، سواء بالحركات أو بالرسوم… غير أن اختراع اللغة يعتبر أعظم ثورة تحول نحو “الإنسانية”، وذلك خاصة بتوفيرها بنكا لتراكم الخبرات والأخبار والحكمة… سهل الحفظ وسهل النقل (في الزمن والمكان)”.
إن بلكبير يميز بين اللغة الشفوية ونظيرتها الكتابية، ولا يتساهل في ذلك (وكذلك نعوم تشومسكي). ولذلك فهو يؤكد أن “الكتابة الصورية، وأرقامها الحروفية، كانت منتوج تأسيس الملكية الخاصة والتجارة، ثم خاصة ظهور الدولة، إذن الدين والقانون والأخلاق والمدنية… ومنذ ذلك (3200 سنة)، لم يتوقف تقدم الإنسان، وذلك بعد أن راوح مكانه خلال 6 ملايين عام خلت من ما قبل التاريخ”. (راجع مقالا لعبد الصمد بلكبير، على ظهر غلاف كتاب “التيفيناغ” لصاحبه: عبد العزيز الصويعي)
الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها من خلال التعاريف السابقة هي كالتالي:
– حاجة الإنسان إلى وسيلة ناجعة للتواصل (غير الرسوم والحركات)، جعلته يخترع اللغة الشفوية. بدوره هذا الاختراع أثر على حياة الإنسان، وقدّمه خطوة إلى الأمام.
– هناك عدة عوامل دفعت الإنسان لاختراع الكتابة، فهذه كانت انتقالا من مرحلة إلى مرحلة أخرى. اكتشاف الكتابة بدوره شكل لبنة أساسية من لبنات تقدم الإنسان، فبدأ التاريخ وبدأت الحضارة الإنسانية في التشكل.
– أنتجت عدة عوامل اللغة وطورتها، وكذلك تتدخل عوامل أخرى في تغير اللغة. أثر اكتشاف اللغة (شفوية وكتابية) في حياة الناس، وكذلك يؤثر تغيرها في حياتهم.
الملاحظ هو أن اللغة تُحدَّد كنظام داخلي، كما تحدد في علاقتها بالظواهر المحيطة بها (تأثيرا وتأثرا).
وعليه، فقد قررنا أن يكون موضوع ندوتنا لهذا الشهر مقتصرا على تحديد مفهوم اللغة في علاقته بالنفس المجتمع.
نظريات نشوء اللغة عند الإنسان، لغة التدريس، تدريس اللغة، الفصحى والعاميات، لغة الدولة، لغة الثقافة، اللغة والتحديات السياسية، تجديد اللغة، تلقين اللغة للأطفال، اللغة كطريقة تفكير واللغة كقواعد تدرس في المدرسة، الجهاز العصبي للغة، كيفيات اكتساب اللغات، الطفل واللغة الأم، اللغة وتطور المجتمع….
كلها مواضيع تتقاطع بشكل أو بآخر مع موضوعنا المقترح، وهي معينة أيضا في تصور اللغة تصورا صحيحا.
إن أسئلتنا المركزية التي نريد الجواب عليها من خلال ندوتنا، هي كالتالي:
ما اللغة؟
وما هي العوامل النفسية التي تؤثر في السلوك اللغوي؟ وكيف تؤثر اللغة في نفس الإنسان؟
وكيف تتطور اللغة بتطور المجتمعات؟ وكيف يؤثر تطورها في كل مجتمع بعينه؟
وفي الأخير، كيف نستثمر تصوراتنا الصائبة في خوض معاركنا اللغوية وتحديد مواقف سديدة من مختلف السياسات التي تمس اللغة من قريب أو من بعيد؟
من أجل كل هذا، ينظم منتدى إحياء مائدة نقاشية بعنوان: “اللغة: مفهومها وعلاقتها بالنفس والمجتمع“.
محمد زاوي
عن اللجنة التنظيمية