التفكر صحوة العقل
بقلم: حسن بوجعادة
إن التأمل في نعم الله عز وجل هو الذي يضيء خلجات النفس البشرية ويوقظها من سباتها وغفلتها ويدلها على حقيقة مطلقة لا تقبل أدنى شك وهي أن الله عز وجل خلق هذا الكون وسخره لهذا الإنسان , وهو الذي أسبغ عليه نعما ظاهرة وباطنة , يعجز العقل البشري أن يحصيها, يقول المفكر سعيد حوى :” هذا الإنسان هو أكمل مخلوقات هذا الكون , ودراسة كاملة لهذا الكون تدلنا على أنه : سماواته وأرضه , وحيواناته, ونباتاته, كله مسخر للإنسان لا يشذ عن هذا ذرة واحدة من ذراته”
لذلك فأنت مطالب أن تتفكر في آيات الله الدالة على عظمته وقدرته في كل مكان…وتتأمل نعمه عليك,
لا تكن من أولئك الذين قال الله عز وجل فيهم: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105]
وفسحة صغيرة في البساتين والمروج الخضراء كفيلة بأن تزيل ضباب الغفلة عن عينيك وتشفي قلبك من مرض الجحود والإعراض.
انظر حولك وأدم النظر, سترى أشجارا مختلفة لا حصر لها , وكل شجرة تأسرك بمنظرها وجمالها, فيها جمال يتجدد كل لحظة.
النباتات والأزهار,كأنك تراها لأول مرة, إنها توجد على شكل واحات وضيعات متجاورة ومتفرقة هنا وهناك.
وإذا نظرت إلى النباتات الخضراء والأزهار التي نبتت و سط هذه النباتات, فسترى أن الأرض قد تسربلت وارثدت أجمل اللباس و تزينت بأبهى الحلل
تنظر الى ذلك بإعجاب و إبهار …
فعجبت للأزهار كيف تضاحكـــت *** ببكائها و تباشــرت بفطورهـــــا
و تسربلـــت حلــــلا تجر ذيولــــــها *** مــن لدمهــا فيهـا و شق جيوبـها
وتتطلع ببصرك نحو الجبل فترى الثلوج قد زينت قمته وترى كيف يذوب الثلج و يحال إلى أودية صغيرة تبدو من بعيد كأنها أساور فضة.
ما من نبتة في الجبل أو زهرة في السفح, أو شجرة في أي مكان إلا و خلقها الله عز وجل وأوجدها في أحسن صورة.
و تنظر حولك بهدوء وسكينة , تارة تتأمل النباتات و الأشجار كأنك تبحث عن شيء ضاع منك, وتارة تتأمل ذاتك, تفعل ذلك عدة مرات ثم تقول مندهشا، و كأنك اكتشفت شيئا لم تكن تعرفه من قبل :
“أكل هذا خلقه الله عز و جل من أجلي أنا ؟
و كأنك لا تصدق.
تقف, وتحس كأن شيئا أشبه بالفرحة والنشوة يتملكك ويسري في جميع جسدك.
اغرورقت عيناك بالدموع وأنت لا تدري فقلت :
“الحمد لله”.
قلت ما ينبغي أن تقوله في كل لحظة.
قلت كلمة تمثل عنوانا للحقيقة التي توصلت إليها قبل قليل .
قلت كلمة ينبغي على كل لناس أن يقولوها في كل لحظة و يجعلوها لغتهم اليومية التي يتحدثون بها.
الله أكبر… ما أجل حكمته… ما أعظم تدبيره
تتمنى لو تخبر كل الناس و تعظهم و توجههم
و ترى أن أولى الناس بنصيحتك زوجتك و أبناءك
دعهم يشاركونك هذه اللحظة ؟
لما لا تأخدهم في نزهة إلى الطبيعة الخلابة, حيث الهواء النقي و الحدائق الغناء و الماء الزلال الذي يجري في الأخاديد؟
هناك أحسست بسعادة عارمة لم تعهدها من قبل.
وتساءلت باستغراب :
كيف حدث هذا ؟ ما مصدر هذا الإحساس الجميل؟
إنك لم تكسب مالا… و لم تحصل على وظيفة… و لم ترث ثروة… لا شيء من هذا قد حصل, ولكنك قد وضعت أول قدم على طريق الهداية الموصل إلى السعادة الحقيقية.
في هذا الطريق تطهر قلبك بماء اليقظة و تخلص من قضبان الغفلة بعدما سمع مناد ينادي: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101]
ها هو ابنك يطارد الفراشات و بسمة البراءة لا تفارق شفتيه ينظر إلى الأزهار فيعجبه شكلها و لونها
فيقطف واحدة.
تدنو منه, فتمسك الزهرة التي بيده, تتأملها ثم تقول له بنوع من الخشوع:
ـ الله.
ينظر إليك نظرة بريئة و يقول بتلقائية :
ـ الله… الله
قالها مرتين كأنه يعرفها بفطرته السليمة, لا يحتاج من يلقنه أو يعلمه:
ـ الله هو الذي خلق الزهرة.
سبحان الله ؟ كل عبارة قلتها إلا و يرددها الطفل بتلقائية, كأن ما تقوله يعرفه بفطرته.
ما لم يقله الناس الذين خبروا الحياة قاله الطفل بفطرته السليمة.
تدعه وعالمه الصغير مع الأزهار و الفراشات, وتلتفت إلى زوجتك التي كانت تسمع كل ما كنت تقوله للطفل الصغير .
إنها تنظر إليك باستغراب, تتأملك و كأنها ترى شخصا جديدا, وكي تضع حدا لذهولها واندهاشها تأخذ بيدها, و توجه اهتمامها إلى كل ما يحيط بكما :
انظري, انظري إلى النباتات, تأمليها, كل نبتة وإن اختلفت عن الأخرى خلقها الله تعالى في أحسن صورة.
والأزهار أشكال مختلفة, وألوان مختلفة.
تعالي قفي عند هذه الشجرة, انظري إلى جدعها وأغصانها المتفرعة, وأوراقها الخضراء.
هذه الشجرة ليست وحدها بل إن في الطبيعة من الأشجار مالا يعلمه إلا الله العليم القدير.
تأخد بيدها و تمشيان بخطوات تابتة تعانقان النسيم العليل تتأملان الجبال .. الأنهار .. المروج الخضراء .. كأنكما ترددان قول أمير الشعراء أحمد شوقي.
تلك الطبيعة قف بنا ياســـــاري *** حتى أريك بديع صنع الباري
الأرض حولك والسماء اهتزنا *** لروائع الأيات و الأثـــــــــار
من كل ناطقة الجلال كأنــــــها *** أم الكتاب على لسان القاري
دلت على ملك الملوك فلم تـدع *** لأدلة الفقهاء و الأحبـــــــــار
من شك فيه فنظرة في صــنعه *** تمحو عظيم الشك و الأثــــار
و تنظر إلى زوجتك وتقول لها بلسان المؤمن الذي أضاء الإيمان خلجات نفسه و بدد ظلماتها فصار يرى الأمور بشكل واضح و جلي:
ـ كل ما في الأرض خلقه الله تعالى .. وأوجده في أحسن صورة وأتمها.
وإذا نظرت هنا وهناك فسترين مشاهد ومناظر, من يراها ويتفكر فيها تفكر العالم الذي يبحث عن جوهر الأشياء, من يمعن النظر فيها و يستحضر إيمانه بالله تعالى لابد وأن يخر ساجدا تعظيما لله تعالى و تقربا إليه.
فتسجدان لله الواحد القهار.
وفي السجود تحس أنك نزلت إلى أدنى درجات الذل والانكسار لله تعالى وارتقيت أعلى درجات العز ووصلت إلى أعلى مقامات العبودية.
وعندما ترفع رأسك تنظر إلى زوجتك فترى أن دمعة قد سقطت من عينيها .
ـ لما تبكي ؟
لا يمكن أن يدرف الدموع في هذا الموقف إلا مؤمن صادق.
ترى كيف يكون قلبها ؟
إنه قلب خاضع لعظمة الله تعالى و قدرته.
هو قلب ينبض بحب الله عز وجل
لم تخبرك هي بذلك لكن دموعها أصدق تعبير.
وتعود فتنظر إلى زوجتك التي أنار الله بصيرتها فانقشعت ظلمة الغفلة عن قلبها.
مسحت دموعها ثم تلت قول الله عز وجل: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]
أغمضت عينيها و قالت :
– اسمع
– ماذا أسمع ؟
– اسمع النباتات, اسمع الأزهار, والأشجار
أنت لا تكاد تصدق إنها تطلب منك أن تسمع النباتات و الأزهار والأشجار وهي أشياء لا تنطق ولا تتكلم. أنسيت أنها مؤمنة صادقة, والمؤمن يكون دائما ذا بصيرة نافدة و رؤية واضحة.
ـ اسمع فكل شيء يسبح لله و يمجده.
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44]
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [النور: 41]
تقف على رجليك و تتأمل كل ما حولك كأنك تريد أن تسمع, بعدما عرفت أن الله قد أخبرك أن كل شيء يسبح بحمده.
الآن يجب أن تكون جزءا من هذا الكون وتتحدث اللغة التي يتحدث بها : لغة التسبيح , فلا تكن حالة شاذة وسبح بحمده.