وسائل التواصل كمنصة إعلامية
وعي حقيقي في عالم افتراضي
(الجزء الثاني)
بقلم: فاطمة محب
تناولنا في الجزء الأول علاقة العالم الافتراضي عامة ومنصات تواصله خاصة بكل من: الوعي، والعقل، والمعرفة، ثم طرحنا تساؤلا حول مدى صحة تصنيف وسائل التواصل الافتراضي كمنصة إعلامية ليكون موضوع الجزء الثاني من مقالنا، فما الإعلام؟ وما أسسه؟ لنستعرضها معًا بإيجاز ثم أترك لك يا صديقي الكلمة الأخيرة..
***وسائل التواصل كمنصة إعلامية***
كم مرة أسرعت لتصفح facebookأو tweeter لتتأكد من صحة خبر ما أو لتتبع نبأ جيء به إليك حول حادث معين؟
كم مرة لجأت لمواقع التواصل لتعرف تفاصيل تظنها الأصدق والأسرع وصولًا إليك من غيرها من الوسائل الإعلامية المتخصصة؟
ترى كيف (يُعلِمُك) موقع افتراضي خبرًا أو نبأً؟
يدفعنا هذا التساؤل إلى فهم معنى “الإعلام” أولًا.
الإعلام لغةً يعني الإبلاغ والإفادة،
أما اصطلاحًا فهو نشر الأخبار وإيصال المعلومات، وكذلك نقل المعارف والثقافات الفكرية والسلوكية بطريقة معينة عبر أدوات ووسائل مخصصة، بقصد التأثير.(1)
فهل حسب هذا التعريف المختار مثلًا –والذي لا يختلف كثيرًا عن غيره- ترى وسائل التواصل الاجتماعي صالحة لكونها وسائل إعلام؟!
لم تحسم الإجابة بعد؟ حسنًا، لنرَ معًا أهم أسس الإعلام ربما تعاير بها الأسس التي تقوم عليها وسائل التواصل وتدنيكَ المعايرة هذه من جواب يرضيك.
من أبرز أسس الإعلام:
1-احترام الجمهور عند إمداده بالمعلومات
2-توفير قنوات اتصال يكون لكل فرد في الجمهور حق استعمالها
3-الدقة في استقاء الأخبار ونشرها
4-تجنب خداع الجماهير
5-عدم الغش والكذب في رواية الخبر
6- التزام القيم كالحق والإنصاف والموضوعية وغيرها
والآن يا صديقي إلى أي مدى تجد وسائل التواصل متبعة لأسس الإعلام اتباعًا يطمئنك لطلب الخبر بضغطة زر من بين صفحاتها؟
-خاسرون كثيرًا إن تجاوزنا هذا العرض بغير تدبر النموذج القرآني الفريد لعرض قيم الإعلام في سورة “الحجرات”.
نموذج يُفرَد له أبحاث ومصنفات، فلا يسع مقالي الإلمام به، إنما أدعوك إلى البحث فيه وأرشح لك كتاب “الإعلام الإسلامي رسالة وهدف” لسمير بن جميل راضي، ليمتعك بتناوله الموجز لهذا المبحث. ويكفينا الآن أن نتشارك بضع لمحات من هذا النموذج..
- “يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” الحجرات 6
<<< التثبت من الأخبار وصحتها أصل من أصول الدين، والمؤمن مأمور من الله أن يحتاط ويحذر، وقبل هذا أن يدقق في مصدر الخبر، فلو لم يدقق من أين له أن يعرف أن الخبر جاءه من فاسق؟!
2- “يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون” الحجرات11
وأيضًا:
“يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” الحجرات 13
فمن مقتضيات الأخوة هنا المساواة بين الجميع، لا مجال للسخرية ولا الاستهزاء، بل إن الله تعالى هو الذي جعل التراكيب مختلفة والقوالب البشرية متفاوتة في اللون والجنس والعرق واللغة … إلخ، فمن نحن كي نسخر ولا نقف عند هذا فحسب وإنما نخصص البرامج والمواد المسموعة والمرئية للسخرية من أشخاص أو أجناس أو أنواع على سبيل التعيين؟!
3-“يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم” الحجرات 12
فالظن المبني على الشبهة والمعلومات غير الموثقة يجب تركه وجوبًا!
4-“ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم” الحجرات 12
والنهي عن التجسس هنا وتتبع العورات يدخل فيه التجسس على مايريدون ستره، وما في بيوتهم، وتتبع أسرارهم الشخصية وملاحقتهم في كل مكان بأسلوب غير لائق…إلخ.
-هل هذا كله جعل القائمين على الإعلام ومدربي فنونه يعلّمون تلاميذهم كيف يواجهون موجة (إعلام مواقع التواصل) أو حتى كيف يتعاطون معها برُشد؟ الجواب: لا!
بجولة بسيطة بين الدورات التي تقام حول فنون الإعلام –تحديدًا في عالمنا العربي- نجد بنسبة كبيرة مجاراة لهذا النمط الإعلامي الدخيل، بل نجد أساتذة ومدربين يعدّدون لطلابهم مزياته التي يدعونانفراده بها عن غيره من الإعلام المنعوت اليوم ب”التقليدي”، مثل:
* التقليل من احتكار المؤسسات الكبرى للخبر
*ظهور (المواطن الصحفي) بإتاحة المجال لغير المتخصصين لممارسة الصحافة
*تسليط الضوء على قضايا لم تتناولها وسائل الإعلام التقليدية
*المساهمة في ازدهار الإعلام المتخصص
والحقيقة أن الترويج لإعلام مواقع التواصل على حساب منصات الإعلام المعروفة انطلاقًا من تلك الأسباب يعد مغالطة منطقية مشهورة اسمها “مغالطة عدم الترابط” أو Non-sequitur ”
وتحدث حين تكون النتائج لا تقع بالضرورة من المقدِّمات، كما الحال هنا، فإذا أنت تهدف إلى عدم الاحتكار، واتساع رقعة الممارسين للصحافة، وتسليط الضوء على قضايا جديدة، وازدهار الإعلام المتخصص، كل هذه المقدمات–إن سلّمنا بصحتها- لا شأن لها بنتيجة (تشجيع إعلام وسائل التواصل) وإنما ببساطة نخلص منها إلى نتيجة واحدة منطقية هي تطوير وسائل الإعلام القائمة بالفعل لتحصد منها تلك الثمار المرجوة.
نستدل على هذا بأنه مع مرور الزمن وازدياد التمكين لإعلام وسائل التواصل، أفرز هذا النوع من الإعلام أيضا نفس الآفات التي زعم المروجون له أنه جاء للقضاء عليها، فنجد بين الصفحات الافتراضية تلك الصفحة التي تحتكر الخبر، ونجد موضوعات تقليدية باتت متداوَلَة عبر المنصات الافتراضية حتى ملّها المرتادون، وعادت لغة المصلحة تعلو وتتكيف وتكوّن أبجديات تلائم البيئة الافتراضية الجديدة، في حين أن تاريخ الإعلام الذي يذكر في صفحاته مجلة “العلماء ” الفرنسية التي صدر عددها الأول في 1665 م كأول مجلة متخصصة مثلا(2)، لم ولن يضم في نفس الصفحات موقع كذا أو صفحة كذا كمنابر إعلامية متخصصة.
الآن يا صديقي كيف تجد الأمر؟! ألا تتفق معي أن اعتبار المنصات الافتراضية وسائل إعلام يستحق إلقاء نظرة أخرى وإعادة تقييم؟؟
وإذا تناولنا الإعلام لا مفر من الحديث عن اللغة واللسان، في الجزء القادم بإذن الله تفصيل بهذا الشأن وتدريب عملي ماتع..
(يتبع)
الهوامش:
(1) كتاب “الإعلام وضبط المجتمع .. صناعة الواقع” – منظمة الجواد العربي
(2) دراسة نظرية في مفهوم الإعلام المتخصص – موقع Rozhnamawany-10 مارس 2015