الوباء العالمي وخطورة الإشاعة
بقلم: حسن بوجعادة
إذا كانت الفيروسات في حقل الطب هي تلك الكائنات التي لاترى بالعين المجردة ، تصيب جسد الإنسان وتؤثر على صحته وتجعله عرضة لمجموعة من الأمراض ، وتنتقل من شخص إلى آخر بطرق مختلفة ، فإن هناك نوعا من الفيروسات التي تصيب أخلاق الإنسان وتتفشى بين الناس وتنتشر انتشار النار في الهشيم ، فيصبح على إثرها جسد المجتمع مهترئا ، وأخطر هذه الفيروسات :فيروس الإشاعة الذي يتم تطويره وإنتاجه في مختبرات المنافقين ليعمل أنصارهم وأتباعهم على نشره لتحقيق أهدافهم الدنيئة وغاياتهم القبيحة.
ويزداد خطر الإشاعة ويشتد تأثيرها في زمن الابتلاءات والمحن ، فينشط روادها وصناعها ، يساعدهم على نشرها وترويجها ذوو القلوب المريضة والأخلاق الفاسدة.
فكيف تظهر الإشاعة وتتطور؟
أين يكمن خطر الإشاعة في زمن الوباء؟
ماهي الإجراءات التي يمكن اعتمادها للتصدي لها والحد من خطرها ؟
الإشاعة في اللغة: هي التفرق والانتشار .
” والفعل هو شاع يشيع أي :تفرق وانتشر .
وقولهم :هذا خبر شائع ، وقد شاع في الناس ،معناه :قد اتصل بكل فاستوى علم الناس به ، ولم يكن علمه عند بعضهم دون بعض”
أما في الاصطلاح فالإشاعة هي الأخبار التي تناقلها الناس دون الاستناد إلى مصدر موثوق يثبت صحتها.
والإشاعة أسلوب قديم كان يلجأ إليه الطغاة ومكذبو الرسل للتصدي لدعوتهم والتشويه بأتباعهم .
وبالاطلاع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نجد أن كفار قريش قد تفننوا في اعتماد أسلوب الإشاعة والدعايات الكاذبة ونشر الإيرادات الواهية للوقوف في وجه الدعوة وتشويه صورة الإسلام ومنع الناس من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم .
فمن هذه الإشاعات ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز ، كقوله على لسان صناديد قريش ” وقال الذين كفروا إن هذا إلا افك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون“( الفرقان 4)
وقوله ” وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا” ( الفرقان 5).
وقوله :” أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون” (الطور 28).
وأخطر الإشاعات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم ، إشاعة حادثة الإفك التي تزعم كبرها عبد الله بن أبي بن سلول ، يوم قذف الطاهرة الصديقة بنت الصديق ،وزوجة النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها في عرضها وشرفها حتى برأها الله من فوق سبع سماوات .
والإشاعة لاتختص بزمان ولا مكان ، وبقدر ما يتطور الإنسان تتطور الإشاعة وتتعدد صورها وأشكالها ، فقد تكون الإشاعة موضوع مقال أو كتاب يراد منه تضليل الناس عن الحقيقة أو حملهم على فكر معين .
وهذا النوع من الإشاعة يصدر عن مفكرين أو أدباء لهم معتقدات معينة وأفكار معينة يريدون إيصالها إلى شريحة من المجتمع . وبقدر ما تكون الإشاعة هنا بطيئة الانتشار إلا أنها تترسخ في الأذهان مدة طويلة. وأخطر الإشاعات تلك التي توظف وسائل التقدم التكنولوجي وتستخدم مواقع التواصل الاجتماعي ، فتنتشر عن طريق الصور المفبركة ، أو بتصوير فيديوهات بتقنيات التصوير الحديثة بغية تشويه سمعة الشخصيات البارزة في المجتمع والتنقيص منها .
وقد تجد مواقع إلكترونية تختص في ابتكار الإشاعة والترويج لها.
وتصبح الإشاعة أكثر تأثيرا وأعظم خطرا عند انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة التي تهدد حياة الناس ، فيكون من تداعيات نشر الإشاعة في هذه الأوقات الحرجة الآثار التالية :
_ التخويف وبث الرعب في النفوس ، فيصاب كثير من الناس بأمراض عصبية ونفسية ، ويعيش آخرون في قلق وعذاب نفسي ، ويعرض آخرون للوساوس التي تحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق.
_ زعزعة الأمن الروحي الذي يقوم على وحدة العقيدة وحصول التآخي والتآزر بين أفراد المجتمع الذي يكون في وقت المحنة أحوج ما يكون لذلك الترابط والتلاحم بين مختلف مكوناته، ثم تأتي الإشاعة لتجعل هذه الوحدة وهذا التلاحم على شفا جرف هار ، فتنتشر العداوة بين أفراده ، ويستغل ذوو القلوب المريضة هذه الظرفية الحرجة لتصفية حساباتهم الضيقة والوقوع في معترك الحروب الكلامية.
_ تبخيس مجهودات الدولة والتنقيص من كفاءاتها .
فمبدأ التكافل في وقت الأزمات يتطلب من كل شخص أن يساهم وفق قدراته وإمكانياته لتجاوز المحنة ، لكنك تجد بعض الناس الذين يتصفون بالسلبية ويحترفون النقد لا يكفون عن توجيه اللوم والتوبيخ للمسؤولين والأطر الإدارية بأسلوب مهين وكلام مشين.
وبناء على ما سبق يصبح التصدي للإشاعة ومحاربتها واجبا وطنيا ومسؤولية أخلاقية بإجراءات وتدابير وقائية وعلاجية ، يمكن حصرها في ما يلي :
_ التثبت من الأخبار التي تروج بين الناس والحرص على تلقي المعلومات من الجهات الرسمية .
_ توظيف وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزية والإذاعية لنشر الوعي والتحذير من خطورة الإشاعة .
_ إحسان الظن بالناس والتماس الأعذار لأفعالهم وأقوالهم وعدم الخوض في أعراضهم وتتبع عوراتهم وعيوبهم .
_ نسيان الخلافات الشخصية والتعاون من أجل تحقيق المصلحة العامة .
_ سن قوانين تعاقب مروجي الإشاعات لزجرهم عن هذا الفعل وردعهم عنه .
_ فتح المجال للشيوخ والدعاة والمصلحين لنشر الوعي بين الناس وإرشادهم إلى التصرف السليم والسلوك الحسن الذي ينبغي يلتزموا به في هذه الظرفية وفق أحكام الشريعة الإسلامية .