المرأة في الغرب بين الصورة الوردية والواقع المرير
بقلم: الدكتور علي فاضلي
باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية
بالرغم من الصورة البراقة التي يتم ترويجها عن المرأة في المجتمعات الغربية، التي تمكنت من تحقيق “المساواة” الكاملة مع الرجل، ووجود قوانين صارمة لحماية المرأة من عنف الرجل، ووجود الآلاف من الجمعيات المدافعة عن حقوق النساء، وتوقيع مجلس أوروبا لاتفاقية الوقاية من العنف ضد النساء والعنف المنزلي ومكافحتهما سنة 2011 والمعروفة باتفاقية اسطنبول، إلا أن واقع المرأة في تلك المجتمعات هو واقع بئيس ومرير ولا تكفي معه بضعة صور ولا حتى ملايين الصور للتغطية على ذلك الواقع الأسود الذي يشهده المجتمع الغربي في تعامله مع المرأة.
صحيح أن المرأة في الغرب باتت تحتل مكانة متميزة في العديد من المجالات، وكان لها دور مشهود في التقدم التقني والعلمي والمجتمعي الذي حققه الغرب، إلا أنه بعيدا عن ما يصدره الإعلام الغربي والعربي المفتون بالغرب، وبعيدا عن ما يروجه مثقفو الغرب وأتباعهم بالوطن العربي-الإسلامي من صورة وردية عن واقع المرأة الغربية، ومقارنتها بأختها في الوطن العربي-الإسلامي، فإن الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مؤسسات غربية دقت ناقوس الخطر وفضحت العنف الجارف بصنفيه الجسدي والجنسي الذي تتعرض له المرأة الغربية.
ويأتي على رأس الجرائم التي تحولت لظاهرة مقلقة بالعديد من الدول الغربية جرائم القتل التي تتعرض لها النساء على يد شركائهن؛ ففي فرنسا لوحدها تعرضت حتى أواخر نونبر من هذه السنة (2019): 122 امرأة للقتل على يد شركائهن الحاليين أو السابقين، وهي نسبة فاقت عدد الجرائم التي تم تسجيلها سنة 2018، في حين تعرضت 134 امرأة للقتل سنة 2014، مما يعني أنه في كل ثلاثة أيام تتعرض امرأة للقتل على يد شريكها؛ وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الجرائم هي الجرائم المرتكبة في إطار ما يسمى بالعنف الأسري، دون الحديث عن جرائم القتل المسجلة بحق النساء لأسباب إجرامية أخرى كالسرقة مثلا، بحيث تشكل جرائم القتل المسجلة بحق النساء سنة 2018 ما نسبته 17% من إجمالي الجرائم في فرنسا.
أما في ألمانيا فعدد النساء اللائي تعرضن للقتل على يد شركائهن بلغ 153 امرأة سنة 2017، مما يعني مقتل امرأة ألمانية كل يومين أو ثلاثة أيام على يد شريكها، وفي السنة نفسها قتلت 75 امرأة في المملكة المتحدة، و56 في إيطاليا.
وبالانتقال لقضايا العنف الجنسي والجسدي اللذين تتعرض لهما المرأة في الدول الغربية، نجد أن الظاهرة جد مستفحلة في جل الدول الأوروبية، فوفقا لدراسة استقصائية قامت بها وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية FRA سنة 2014، ظهرت معطيات جد خطيرة حول ظاهرة العنف الجنسي والجسدي -مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة التعريف القانوني للعنف الجسدي في الدول الأوروبية وفي اتفاقية اسطنبول-.
فوفقا لهذه الدراسة، تعرضت ما نسبته 33% من النساء – امرأة من بين كل ثلاث نساء في الاتحاد الأوروبي – للعنف الجنسي أو الجسدي منذ بلوغهن 15 سنة، من بينهن نسبة 8% تعرضن للعنف بنوعيه خلال الإثني عشر شهرا التي سبقت الاستقصاء؛
- تعرضت حوالي 13 مليون امرأة بدول الاتحاد الأوروبي للعنف الجسدي خلال الإثني عشر شهرا التي سبقت الاستبيان؛
- تعرضت حوالي ثلاثة ملايين و700 ألف امرأة بدول الاتحاد الأوروبي لعنف جنسي خلال الإثني عشر شهرا التي سبقت الاستبيان؛
- تعرضت 5% من النساء للاغتصاب منذ بلوغهن سن 15 سنة؛
- تعرضت 22% من النساء لعنف جنسي أو جسدي من قبل الشريك؛
- تعرضت 55% من النساء –امرأة من بين كل امرأتين- للتحرش الجنسي، وتعرضت امرأة من بين كل خمس نساء للتحرش الجنسي خلال الإثني عشر شهرا التي سبقت الاستبيان؛
- تعرضت 75% من النساء في وظائف مهنية للتحرش الجنسي.
ومن النتائج الصادمة التي توصل إليها الاستقصاء، هي تصدر كل من السويد وهولندا والدانمرك -وهي من الدول التي تحتل المراتب الأولى عالميا في سلم التنمية البشرية- لقائمة الدول التي تعرف أكبر النسب للعنف الجنسي.
يوضح المبيان التالي نسبة النساء اللائي تعرضن للعنف الجنسي أو الجسدي أو هما معا منذ بلوغهن سنة 15 سنة، بحيث يظهر أن دول الدانمرك وفنلندا والسويد وهولندا وفرنسا تحتل مراتب متقدمة من حيث تعرض نساء هذه الدول للعنف الجنسي أو الجسدي.
المصدر: وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية FRA
ووفقا لدراسة أصدرتها وزارة الشؤون الاجتماعية الفرنسية في نونبر 2015، تعرضت 164 ألف امرأة للعنف الجسدي، في حين تعرضت 33 ألف امرأة للعنف الجنسي.
والملفت أن نسبة النساء ضحايا العنف ممن قدمن شكاوى للجهات المختصة بحق من مارس بحقهن العنف لم تتجاوز 20%، والملفت أكثر أن السبب وراء عدم تقديم النساء للشكاوى هو شعورهن بالخجل، بل والإيحاء بأنهن المسؤولات عما يحصل لهن من عنف جنسي أو جسدي، وفقا لتصريح لوزيرة العدل الألمانية “كاتارينا بارلي”.
والخلاصة التي نصل إليها هي أنه بالرغم من القوانين الصارمة التي تم سنها لحماية المرأة، وبالرغم من المكانة التي أصبحت تحتلها المرأة بالفضاء الأوروبي، وبالرغم من إقرار تشريعات تلغي أي مظهر من مظاهر التمييز تجاه المرأة، إلا أن الواقع في الدول الأوروبية ما يزال واقعا مريرا بالنسبة للمرأة.
المصادر:
– European Union Agency for Fundamental Rights – Violence against women: an EU‑wide survey – march 2014
- موقع دويتشه فيله- بتاريخ 24 نونبر 2018
- موقع أورو نيوز-com – بتاريخ 25 نونبر 2019
- موقع العربي الجديد- بتاريخ 25 نونبر 2015